19‏/09‏/2007

غزة ... حرب















الصور لشريف سرحان


صبرا


صبرا – فتاة نائمة
رحل الرجال إلى الرحيل
و الحرب نامت ليلتين صغيرتين
و قدمت بيروت طاعتها و صارت عاصمة

ليل طويل
يرصد الأحلام في صبرا و صبرا –نائمة


صبرا بقايا الكف في جسد قتيل
ودعت فرسانها و زمانها
و استسلمت للنوم من تعب, و من عرب رموها خلفهم



صبرا- و ما ينسى الجنود الراحلون من الجليل
لا تشتري و تبيع إلا صمتها
من أجل ورد للضفيرة
صبرا-تغني نصفها المفقود بين البحر و الحرب الأخيرة
لم ترحلون
و تتركون نساءكم في بطن ليل من حديد ؟
لم ترحلون
و تعلقون مساءكم
فوق المخيم و النشيد؟

صبرا-تغطي صدرها العاري بأغنية الوداع
و تعد كفيها و تخطيء
حين لا تجد الذراع
كم مرة ستسافرون
وإلى متى ستسافرون
و لأي حلم؟
وإذا رجعتم ذات يوم
فلأي منفي ترجعون,
لأي منفي ترجعون ؟
صبرا –تمزق صدرها المكشوف
كم مرة
تتفتح الزهرة
كم مرة
ستسافر الثورة؟


صبرا-تخاف الليل . تسنده لركبتها
تغطيه بكحل عيونها. تبكي لتلهيه
رحلوا و ما قالوا
شيئا عن العودة
ذبلوا و ما مالوا
عن جمرة الوردة!
عادوا و ما عادوا
لبداية الرحلة
و العمر أولاد
هربوا من القبلة.

لا , ليس لي منفى
لأقول : لي وطن
الله, يازمن
صبرا –تنام . و خنجر الفاشي يصحو
صبرا تنادي .. من تنادي

كل هذا الليل لي, و الليل ملح
يقطع الفاشي ثدييها – يقل الليل

يرقص حول خنجره ويلعقه. يغني لإنتصار الأرز موالاَ
ويمحو
في هدوء .. في هدوء لحمها عن عظمها
و يمدد الأعضاء فوق الطاولة
و يواصل الفاشي رقصته و يضحك للعيون المائلة
و يجن في من فرح و صبرا لم تعد جسداَ

ركبها كما شاءت غرائزه, و تصنعها مشيئته
و يسرق خاتما من لحمها , و يعود من دمها إلى مرأته

ويكون –بحر
ويكون-بر
ويكون-غيم
ويكون-دم
ويكون-ليل
ويكون-قتل
ويكون-سبت
وتكون-صبرا

صبرا تقاطع شارعين على جسد
صبرا-نزول الروح في حجر
و صبرا- لا أحد


صبرا-هوية عصرنا حتى الأبد




13‏/09‏/2007

كل عام و أنتم بخير

في غزة إتفق الفريقان علي الصيام اليوم لكن فريق "دايتون" أعلن إنتهاء التوقيت الصيفي إبتداء من الأول من رمضان , أما فريق " القوة التنفيذية" فأعلن أن الساعات ستعود إلى الوراء في اليوم الثاني من رمضان . لقد نجا رمضان من المماحكات السياسية , لكن الساعة وقعت في الفخ

12‏/09‏/2007

عن العنف الثوري




أعذروني على إختيار هذه الصور التي لا أتذكر مصدرها , و ملتقطها الذي يبدومن الصور أنه غزي الهوى و الهوية



عن صراع الجهالات في الحادي عشر من سبتمبر


مثل الآخرين، لا أكثر، ولا أقل
بقلم
حسن خضر

في الذكرى السادسة لهجمات الحادي عشر من أيلول الإرهابية ثمة ما يبرر استدعاء أسئلة من نوع: ما هي مبررات العربي، أو المسلم، الأخلاقية لتأييد ما حدث في ذلك اليوم المشؤوم؟ولا فائدة، بطبيعة الحال، من التظاهر بأن العرب، أو المسلمين، لم يؤيدوا تلك الهجمات. يمكن الكلام عن نسب مئوية، والقول إن أعدادا كبيرة من العرب والمسلمين لا تؤيد ما حدث. ومع ذلك، حتى لو كان مؤيدو ما حدث أقلية، فإن وجود أقلية كهذه يستدعي إعادة النظر في الأسس الأخلاقية لهوية المجتمعات العربية والإسلامية، التي تسمح بوجود هؤلاء، خاصة وقد تمكنوا في أماكن مختلفة من اختطاف الأغلبية، وفرض إرادتهم عليها.والواقع أن الكلام عن التأييد، أو عدمه، لا يستقيم دون محاولة تعريف ما حدث، في ذلك اليوم.هل كان شن هجمات انتحارية، بطائرات مدنية، عملا إرهابيا، أم كان محاولة يائسة من جانب أشخاص سدت أمامهم السبل، للدفاع عن قضية عادلة؟ وإذا كانت ثمة قضية من هذا النوع، فما هي بالضبط؟وإذا ما وصلنا إلى هذا الحد، سنجد أن السؤال يستدعي، ضمن أمور أخرى، ضرورة تعريف الإرهاب، وتحديد موقف منه. وبالتالي يكتسب السؤال دلالة إضافية: ما هو موقف العربي، أو المسلم، من الإرهاب، وهل دارت تساؤلات حول معنى ومبررات الإرهاب في أذهان منفذي الهجمات، أو في أذهان أنصارهم؟ثمة ما يبرر القول إن تساؤلات كهذه دارت بالفعل، وإن تسمية الإرهابيين لما حدث في الحادي عشر من أيلول بالغزوات (غزوة نيويورك ومنهاتن) تعفي الباحث من مشقة البحث. فالغزوات معارك جرت لنشر الإسلام، وتوطيد أركان الدعوة الإسلامية. وفي انتزاعها من سياقها الأوّل، وفرضها على أحداث تجري بعد ألف وأربعمائة عام، ما يدل على محاولة من جانبهم للانخراط في تاريخ مقدّس، وجسر الهوة الزمنية والدلالية بين الماضي والحاضر بطريقة بلاغية وشعائرية.ولا يهم، في الواقع، مدى ما يسم محاولة كهذه من سذاجة ومبالغة، وربما من كوميديا رفيعة سوداء. المهم أن التسمية تضفي القداسة على الإرهاب، وتمنحه مبررات أخلاقية مستمدة من السماء لا من الأرض. بمعنى أن فيها ما يتجاوز السياسة، وما يتعالى عليها، وما يسمو بالتأكيد على المدارك العقلية لبني البشر، مقابل حكمة إلهية يملك قادة وفقهاء الإرهابيين وحدهم حق التصرف بها وتفسيرها.وإذا كانت هذه هي السمة الأولى للأصوليات الدينية في أربعة أركان الأرض، بما فيها المسيحية، واليهودية، فمن سوء الحظ أن العرب، والمسلمين، لم يتقنوا بعد فن ترويض الوحش الأصولي، كما فعل الأوروبيون، بعد حروب دينية مهلكة، وكما يفعل الإسرائيليون في الوقت الحاضر خوفا من انهيار الدولة. نعرف، بالتأكيد، كيف ولكن لا نعرف متى وبأي قدر من الخسائر سيتمكن العرب والمسلمون من إلحاق الهزيمة بالوحش الأصولي. ولكن، بالعودة إلى السؤال الأصلي فلنقل إن قضية الإرهابيين، كما تجلت في هجمات الحادي عشر من أيلول، وفي هجمات لاحقة في لندن، ومدريد، ليست سياسية في حقيقة الأمر، بل هي أعلى من ذلك بكثير، أعلى من الصراع العربي والفلسطيني ـ الإسرائيلي، ومن الميراث الكولونيالي للغرب، ومن العلاقة غير المتوازنة بين الشمال والجنوب. إنها قضية الصراع بين مطلقات نهائية ومنجزة من نوع الكفر والإيمان، الخير والشر، العدل والظلم، الإسلام (في صيغته السنية الوهابية) وكل ما عداه.هذه المطلقات مخيفة، ليس لأنها تشكل أيديولوجيا معادية للبشرية وحسب، بل لأنها تتحوّل أيضا إلى مرجعيات ثقافية ولاهوتية وأخلاقية في عالم (العربي والإسلامي) لم يذوّت بعد قيم التعددية والتسامح، يعاني من مظالم تاريخية، ومن تسلّط أنظمة دكتاتورية، ومن أزمات اقتصادية وثقافية وتشوّهات اجتماعية. وهي خلطة عجيبة وقاتلة لا يشعر في ظلها، وبحكمها، عدد لا نعرف نسبته المئوية من العرب والمسلمين، بأهمية أو ضرورة إدانة الإرهاب، وتجريد ممارسيه من كل جدارة أخلاقية أو سياسية، بقطع النظر عن قومية، أو لون، أو دين الضحايا. وهي، أيضا، الخلطة العجيبة والقاتلة، التي تحوّل أعدادا لا نعرف نسبتها المئوية من الشبّان العرب والمسلمين إلى انتحاريين في عمليات جنونية، وحشية، عبثية، وجبانة. وإلا كيف نفسر العمليات الانتحارية هذه الأيام التي تستهدف المدنيين في الأماكن العامة في العراق، والجزائر، وأفغانستان، وباكستان. ماذا يريد هؤلاء، وما هي قضيتهم، إن لم تكن تدمير الدولة، وتفتيت المجتمع، باسم أيديولوجيا مريضة، وهمية ومتوّهمة. وهي قضية غير سياسية، أي تنتمي إلى علم النفس أكثر من انتمائها إلى عالم السياسة، في أغلب الأحوال.وهي، أيضا وأيضا، الخلطة العجيبة والقاتلة، التي تسمح بالكلام عن تحوّل القاعدة إلى حالة عامة، أي إلى مثال يحتذى، بفضل صحافي يتكلّم عن "الشيخ" أسامه بن لادن. (أما كيف ومتى ولماذا أصبح شيخا فلا يهم). وبفضل انتهازية المثقف القومي، أو اليساري السابق، الذي يتنصل من علمانية مدعاة، وديمقراطية فائضة عن الحاجة، لتقديم خدمات، ونصائح، نضالية لإرهابيين، بلا مشروع سوى الموت. وبفضل ميوعة جيوـ سياسية تجعل من مشيخة بحجم بعوضة ـ إذا حضرت لا تذكر، وإذا غابت لا تفتقد ـ قلعة من قلاع الممانعة التلفزيونية. وفي ظل هذه الخلطة العجيبة والقاتلة، وللترويح قليلا عن النفس، نستعيد كوميديا سوداء، صافية، رفيعة، تكاد تكون إغريقية، ولكن بلمسات ما بعد حداثية (أي أيسخيلوس وبيكيت في عرض لمرة واحدة، وبتذكرة واحدة) نستعيد مشهد الناطق باسم حماس، الذي هلل وكبّر، ليصف الاستيلاء على غزة بفتح مكة. المهم، حالات كهذه تنشأ فقط في مجتمعات مريضة، فتمثل اسما للمرض، وعرضا من أعراضه. لا شيء يبرر إضفاء صفة القضية العادلة، أو الدفاع المشروع عن النفس، على ما حدث في مثل هذا اليوم قبل ست سنوات. ولا شيء يبرر القبول بتحوّل أيديولوجيا القاعدة الإجرامية إلى حالة عامة، وإلى قدر لا فكاك منه. ربما يحتاج العرب والمسلمون إلى نصف قرن أو أكثر قبل ترويض الوحش الأصولي، واقتلاع أنيابه، وتقليم أظافره، في حرب لن يخوضها احد نيابة عنهم. وهي بالتأكيد مكلفة ومؤلمة، لكنها السبيل الوحيد إلى التحرير والحرية. تحرير الهوية من مرضها، وحرية العربي والمسلم في أن يكون كائنا طبيعيا مثل الآخرين لا أكثر و لا أقل



الإمبرياليّة ووهم الانقلاب التاريخيّ
هشام البستاني

في فندق فيرمونت في سان فرانسيكو، أواخر أيلول عام 1995، اجتمع خمسمئة من قادة العالم في مجالات السياسة والمال والاقتصاد بدعوة من المعهد الذي يترأسه ميخائيل غورباتشوف، والذي تبرّع بتكاليفه بعض الأثرياء الأميركيين (ربّما عرفاناً لخدماته في الاتحاد السوفياتي السابق). كان المطلوب من هذا الجمع «أن يبيّن معالم الطريق إلى القرن الحادي والعشرين، هذه الطريق التي ستفضي إلى حضارة جديدة».في هذا المؤتمر الذي لم يكن للتسامح مع ضياع الوقت فيه أي مكان (5 دقائق للمتحدث، ودقيقتان للمداخل)، كانت النتيجة التي اختزل بها هؤلاء البراغماتيون المستقبل كالتالي: العددان 20 و80، ومصطلح Tittytainment.بالنسبة إلى العددين، فهما يمثّلان حالة «العمل والبطالة» في المجتمع المستقبلي، حيث يعتقد المجتمعون أن نسبة «20% من السكان العاملين ستكفي في القرن القادم للحفاظ على نشاط الاقتصاد الدولي»، أما باقي الـ80% فهم سيواجهون «مشاكل عظيمة». ستكون المسألة بحسب أحد مدراء شركة «صن» (Sun) هي «إمّا أن تأكل أو أن تؤكل» (To Have Lunch Or To be Lunch).أما بالنسبة للـTittytainment، فهو مصطلح طرحه زبغنيو بريجنسكي الأشهر من أن يعرف، وهو منحوت من كلمتي Entertainment أي تسلية، وtits أي أثداء (إشارة إلى حليب المرضع). والـTittytainment هذه هي الخليط من «التسلية المخدرة والتغذية الكافية» التي بإمكانها «تهدئة خواطر سكان المعمورة المحبطين». وبإمكان المهتم مراجعة تفاصيل هذا المؤتمر الرهيب وأبعاده في الكتاب الهام «فخ العولمة: الأعتداء على الديموقراطية والرفاهية» (تأليف هانس بيتر ـــــ مارتن وهارالد شومان، ترجمة د. عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 238).ولكن ما علاقة كل ذلك بموضوعنا؟
حدث غير انقلابي

لعلّ أول الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الكاتب أو المحلل هو اعتبار 11 سبتمبر فاصلاً بين عهدين، أو علامة تاريخية فارقة أحدثت انقلاباً كلياً ما بعدها. والمقارن ما بين سبتمبر 1995 (مؤتمر فندق فيرمونت) وسبتمبر 2001 (هجمات نيويورك وواشنطن) وما تلاها، قد لا يجد اختلافاً بيّناً في نوعية السياسة الأميركية والرأسمالية الغربية عموماً، المسألة هي مسألة كمية وحسب.إن أميركا بصيغتها الحالية: الإمبراطورية ذات القوة الغاشمة والإيديولوجيا النيوليبرالية، كانت لا شك قادمة مع أو بدون 11 سبتمبر. ولو لم تحدث هجمات 11 سبتمبر، فأغلب الظن أننا كنا سنعيش الحقبة التي تلتها، ولكن متأخرين قليلاً.إنّ ما قد يرقى إلى مستوى التحول التاريخي هو النقطة التي انتصرت عندها المنظومة الرأسمالية على الاتحاد السوفياتي و«الكتلة الاشتراكية». وليس الانتصار بحد ذاته هو العلامة الفارقة، بل هو التحول المطّرد والمتسارع نحو التخلص من دولة الرفاه الاجتماعي و«كلفها» العالية. إن رأس المال - الباحث دائماً عن شروط تعظيم أرباحه - كان يجد عائداً استثمارياً وقائياً من دولة الرفاه ذات الضمان الاجتماعي الممتاز والتأمين الصحي الشامل، والإنفاق العام كان «شراً لا بد منه» للحفاظ على الاستقرار الداخلي، ومنع انتقال أي عدوى من الشرق تتحدث عن عدالة اجتماعية ومساواة ومحو فوارق طبقية وتأمين احتياجات أساسية دون مقابل (مأكل، ملبس، مسكن، تعليم، صحة).في ظل غياب «قطب آخر»، وانحسار النشاط الاجتماعي/ السياسي لليسار الراديكالي في العالم، وغياب بديل أيديولوجي ثوري ذي حضور، أصبحت دولة «الرفاه الاجتماعي» كلفة باهظة لا مبرر لها (على الصعيد الداخلي)، وأصبح العالم ملعباً مفتوحاً بلا منافسين (على الصعيد الخارجي). هكذا كان على الإمبريالية أن تخلع قناعها «الديموقراطي» و«المتمدن»، وترمي بأسطورة «العالم الحر» بعيداً، وتتمدد داخلياً وخارجياً، وتملأ الفراغات التي تركها «القطب» السابق.على الإمبريالية في هذه المرحلة أن تفكر في ما ستفعله أثناء سيرها في هذه «الطريق التي ستفضي إلى حضارة جديدة»، وهو ما فعلته في مؤتمر فيرمونت الذي أجاب عن أسئلة التحول الجديد (أي نبذ «دولة الرفاه الاجتماعي» لانعدام جدواها وارتفاع كلفها الاقتصادية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي). إن هذه الحضارة «الجديدة» ليست جديدة بأي مقياس، بل هي استحضار لآليات ما قبل رأسمالية، إنها القوة الغاشمة دون رادع سوى الأرباح، وهذا لا يتناقض مع التطور التاريخي للرأسمالية في مرحلتها النيوليبرالية، فالامبرياليات لا تجد غضاضة في استعمال آليات لا ترقى إلى مستوى تطورها التاريخي ما دام ذلك يخدمها في السياق العام. وكما يلاحظ هادي العلوي «إن أنماط الإنتاج الأكثر تقدماً كانت قادرة دوماً على توظيف أنماط إنتاج منحلة لتنمية نفسها، ولكن هذا لا يشكل إعادة لنمط الإنتاج المذكور، وإنما يتم بتأثير هذه المنظومة الاستغلالية الجامعة» (شخصيات غير قلقة في الإسلام، ص 222).إن مجتمع الـ 80/20 المذكور سابقاً، هو مجتمع سيُسَيّر بخليط من القوة الغاشمة والـTittytainment، واستعراض الحرب الحديثة بتقنياتها المذهلة وجنودها العصريين ذوي التجهيزات الفضائية، وصور الأقمار الصناعية، وتسجيلات القنابل الذكية وهي تصيب بدقة الأهداف المعادية، كل هذا لا يخدم كأدوات ردع فعلية ونفسية لشعوب الأرض من المضطهدين المنضوين في نسبة الـ80% الآنفة الذكر فحسب، وإنما تُحول الحرب بهذه التقنيات من مأساة إنسانية صارخة، إلى «مشاهدة ممتعة»، أو فيلم هوليوودي، أو لعبة مسلية من ألعاب الفيديو.إنه السيف ذو الحدين: القتل والتسلية المخدرة، ولكنهما حدّان يقطعان الضحية ذاتها.استعراض القوة والتخدير هذان لم يبدآ قطعاً في 11 سبتمبر، ورجال مكافحة السموم بملابسهم الفضائية الذين طيّرت صورهم المحطات الأميركية إلى أرجاء الأرض الأربعة في سياق البحث عن «جمرةٍ خبيثة»، جاؤوا بعد صور الإصابات الدقيقة للمنشآت العراقية أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991. وقد لا يعلم الكثيرون في الوطن العربي أن شركة العلاقات العامة المعروفة عالمياً المسمّاة «هيل آند نولتون»، كانت هي العقل المدبّر لحملة تسويق حرب الخليج الثانية في الولايات المتحدة (من تقرير: قوة البروباغاندا العالمية، لشارون بيدير وريتشارد غوسدن، مجلة PR Watch 8 (2) 2001)، وهذه الشركة هي جزء من تجمع «دبليو. بي. بي» (WPP) العملاق للعلاقات العامة والدعاية والإعلان، وهو تجمع يرأسه مارتن سوريل، وشغل حوالى 55 ألف شخص في 92 بلداً، وله 1300 مكتب، وحقق عوائد بلغت 5,2 مليارات دولار عام 1999.إن التقرير المذكور سابقاً يقول عن شركة (WPP) إنها «مستودع كامن للقوة، آلة بروباغاندا عملاقة، وتملك من المهارات المنسقة في مجال التلاعب بالناس ما يسمح لها بالسيطرة على عقول وقلوب كل سكان العالم». وهي، إضافة إلى منافستها «أومنيكوم» (Omnicom)، تسيطران على سوق الإعلان والدعاية والعلاقات العامة في العالم لصالح الشركات العملاقة، والحكومات في بعض الأحيان. ومنذ أوائل الثمانينيات، صرح أحد مدراء شركة جي والتر ثومبسون (J.Walter Thompson) وهي شركة إعلانات اشترتها (WPP) عام 1987 بما يلي: «إن في أيدينا أعظم أداة شاملة للتعليم الجماعي والإقناع شهدها العالم، إنها قنوات الاتصال الإعلانية، نحن نملك القوة، فلم لا نستعملها؟»، إن نبوءة هذا الشخص تجد صداها في الآلية التي اقترحها بريجنسكي في مؤتمر فيرمونت، وتطبيقها في الحقبة المتوحشة للإمبريالية الأميركية بعد انقلاب «نهاية دولة الرفاه»، أواخر ثمانينيات القرن الماضي.هذا أحد جوانب المسألة. أمّا الجانب الآخر فهو أن صقور الحرب في الإدارة الأميركية ذوي النزعات اليمينية المتطرفة لم يولدوا في الفراغ، ولم يهبطوا بمركبات فضائية قادمين من مستودع للراديكاليين الأميركيين على المريخ مخصص لحالات الطوارئ.لقد كانوا في صلب المؤسسات الأميركية منذ أمد طويل، وخصوصاً تلك المعنية بإحداث تغييرات خارجية، مثل مؤسسة بيت الحرية (Freedom House)، التي تعرّف نفسها بأنها منظمة غير حكومية، تأسست عام 1941على يد النيور روزفلت (زوجة الرئيس الأميركي المعروف) وويندل ويلكي (منافس زوجها الخاسر في الانتخابات)، وتعنى بخلق التغيرات الديموقراطية في العالم عبر إنشاء شبكات مرتبطة بها في المناطق المستهدفة، وهي كذلك تعمل من أجل «سياسة أميركية خارجية متدخّلة» (Engaged)، ومن أجل إدخال «إصلاحات السوق الحرة»!إذا فككنا شيفرة الجمل المذكورة أعلاه، والمستقاة من النشرات التعريفية بـFreedom House، نكتشف أن المسألة برمّتها هي مسألة «تدخل» من أجل المصلحة الإمبريالية. وربما لن نستغرب كثيراً إذا علمنا أنها استهدفت بشكل رئيسي منطقة وسط وشرق أوروبا، وكان لها دور كبير في إحداث الزلزال هناك، حيث موّلت ولا تزال عشرات المنظمات غير الحكومية في تلك البقعة من العالم.إن هذه المؤسسة الهامة ذات النزعة «الديموقراطية» (المفترضة طبعاً)، تحوي في هيئة أمنائها أشخاصاً غير ديموقراطيين تماماً: دونالد رامسفيلد، بول وولفوتز، ومنظرهم الأول صامويل هانتنغتون! لقد كان هؤلاء، إضافة إلى ما يمكن أن نصنفه الآن من «المعتدلين» كبريجنسكي، طرفاً فاعلاً في البنية الاستراتيجية الأميركية قبل أن يكونوا في صف صنع القرار الاول، وصعدوا إلى مواقع القيادة والتأثير عندما أصبح الظرف الموضوعي يستدعي وجودهم، والظرف الموضوعي هذا هو 11 سبتمبر. بهذه الصورة، تمهد «الإمبراطورية» لنفسها على المدى الاستراتيجي.وإن كان انفراد قوة عظمى بالعالم مشكلة حقيقية، فإن هذه المشكلة تتحول إلى كابوس مرعب إذا كانت هذه القوة إمبريالية بأيديولوجيا نيوليبرالية، ولا تلتفت إلى شيء سوى الأرباح والأسواق والنفط، ويصنع قرارها مديرو الشركات العملاقة بعد أن تحولوا سياسيين
سياسيون وشركات
تثبت لنا الحقائق حجم تمثيل مدراء الشركات الكبرى في الإدارة الأميركية الحالية (بعضهم ترك موقعه). فالرئيس دبليو بوش هو المدير السابق لشركة «هاركين» للنفط؛ نائب الرئيس ديك تشيني هو الرئيس السابق لشركة «هاليبيرتون» للنفط؛ وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد هو المدير السابق لشركتي «جنرال أنسترومنتس» الصناعية و«سيرل» الصيدلانية؛ وزير الدفاع الحالي روبرت غيتس كان عضو مجلس أمناء شركة «فيديلتي» للاستثمارات، وعضو مجالس إدارات الشركات التالية: NACCO الصناعية، شركة برنكر الدولية، شركة باركر للتنقيبات، شركة التطبيقات العلمية الدولية؛ وزير الخزانة السابق بول أونيل هو المدير السابق لشركة «الكوا»؛ وزير الخزانة الذي تلاه جون سنو هو رئيس سابق لشركة CSX؛ وزير التجارة السابق دون إيفانز هو المدير السابق لشركة «توم براون» للنفط؛ وزير الخزينة الحالي هنري بالسون هو رئيس سابق لـ«غولدمان ساكس»، رئيس موظفي البيت الأبيض السابق أندرو كارد هو الرئيس السابق لجمعية مصنعي المركبات الأميركيين؛ وزير الجيش السابق توماس وايت هو مدير سابق في شركة «أنرون» للطاقة؛ وزير الجيش الذي تلاه فرانسيس هارفي هو رئيس سابق لمجموعة IT المتخصصة بالتعهدات الدفاعية؛ وزير القوات الجوية السابق جايمس روش هو مدير سابق في شركة «نورثروب غرومان»؛ غوردون أنغلند وزير البحرية السابق ونائب وزير الدفاع الحالي هو رئيس سابق لشركتي جنرال داينامكس ولوكهيد، أما وزير البحرية الحالي دونالد ونتر فهو مدير كبير سابق في شركة «نورثروب غرومان»!كل هؤلاء من أقطاب الشركات، ومنهم عدد لا بأس به من المديرين السابقين لشركات النفط والطاقة، وذوي علاقة عضوية بالمجمع الصناعي - الحربي الأميركي، إلى الدرجة التي دعت شركة «شيفرون» للنفط لإطلاق إسم «كوندوليزا رايس» على إحدى ناقلاتها النفطية!ولتأكيد ما ذهبنا إليه في ما سبق، سأستدعي أجزاءً من مقال لجيمس بتراس، أستاذ علم الاجتماع السابق في جامعة بنغهامبتون في نيويورك، نشر بتاريخ 4/11/2001 تحت اسم: «11 سبتمبر، ما وراء المأساة الإنسانية».يكشف بتراس في هذا المقال حقائق فظيعة يخلص منها الى فرضيات لا تقل فظاعة، وهي في واقع الأمر نتائج مبنية على أدلة ملموسة. فمثلاً، يقول بتراس: «إن انفجار مشاعر الحرب في واشنطن [يقصد الإدارة الأميركية] ربما كانت له علاقة بنوعية الضحايا ومقدار تأثيرهم على الأسواق المالية العالمية، لا بعدد هؤلاء الضحايا، حيث إن الكثير منهم كانوا من المحللين وراسمي السياسات المالية والمضاربين»!ويعتمد بتراس الرقم الذي أورده الصليب الأحمر الأميركي لعدد الضحايا (وهو 2563 شخصاً)، مشيرا الى أن 40% منهم من جنسيات أجنبية، أي إن عدد الضحايا الأميركيين الفعلي هو حوالى 1500. ويعزو بتراس الرقم المبالغ فيه الذي روّجه مسؤولو مدينة نيويورك (4964 ضحية) لرغبتهم في الحصول على المزيد من المعونات الفدرالية «لإعادة بناء القطاع التجاري في نيويورك» لا لجهود الإغاثة! مذكراً بإضراب رجال الإطفاء بعد شهرين من الهجوم نتيجة لخفض الميزانيات المخصصة لهم للإنقاذ.ويرى بتراس أن الإدارة والإعلام الأميركيين «تلاعبا بالمأساة الإنسانية التي تعرض لها مواطنو نيويورك لإزاحة التركيز عن البعد الاقتصادي والعسكري للصراع… وعندما أصبح الضحايا غير مجديين كبروباغاندا لصالح الحرب، تم التخلص منهم ليتحولوا إلى طوابير خارج مكاتب البطالة... فخلال شهر تشرين الأول 2001، فقد أربعمئة وخمسون ألف عامل وظائفهم في الولايات المتحدة، وهو أعلى رقم لفصل موظفين في شهر واحد في التاريخ الحديث».كما يذكر المقال، نقلاً عن الغارديان البريطانية (عدد 2 نوفمبر 2001) أن مركز التجارة العالمي «كان يحتوي في طوابقه السفلية على مقر للـCIA وأجهزة سرية أخرى، أي إن الـCIA استغلت الغطاء المدني الذي يوفره مركز التجارة لإخفاء مركز تنفيذي ولوجستي تحت الأرض، مما عرض حياة المدنيين الذين يعملون في الطوابق العلوية للخطر دون أدنى حس بالمسؤولية».ويشير المقال إلى «الحالات العديدة للاحتيال والاستغلال التجاري [مثل] مطالبات التأمين المبالغ فيها، بيع التذكارات، واختفاء ملايين الدولارات من المساعدات المالية التي كان من المفترض أن تذهب لعائلات الضحايا».إذاً، الأرباح، الحسابات، المضاربات، كلها حاضرة، وهذا ليس بغريب على رأسمالية بحجم الولايات المتحدة، أما أن تكون حاضرة في وسط المأساة التي تخص مواطني المركز الإمبريالي نفسه، فهذا هو التطور النوعي في الآليات الهمجية التي ستنعكس بصورة أشد خارجياً. ولا شك في أننا سنتذكر، عندما نعيد قراءة الرقم الهائل لأعداد الموظفين الذين فقدوا أعمالهم، عبارة جون غايج (John Gage) أحد كبار مديري شركة الكمبيوتر الأميركية «صن مايكروسيستمز» التي أجاب بها عن سؤال في مؤتمر فيرمونت: «لديّ من العاملين 16 ألفاً، وإذا ما استثنينا قلة ضئيلة منهم، فإن جل هؤلاء احتياطي يمكن الاستغناء عنه عند إعادة التنظيم إعادة التنظيم
يوم 11 سبتمبر، حانت ساعة إعادة التنظيم الكبيرة على المستويين الداخلي والخارجي. داخلياً: فصل العمال من وظائفهم، ودخلت قوانين وإجراءات قمعية جديدة حيز التنفيذ، ودخل الاقتصاد المنهار دورة جديدة لمصلحة شركات النفط والسلاح. أما خارجياً، فقد رأت أميركا أن الوضع بات مناسباً لحسم سيادتها على العالم نهائياً، وخصوصاً في وجه مراكز أمبريالية صاعدة ومنافسة كاليابان وأوروبا. هذا الحسم لن يأتي إلا بالسيطرة على النفط سيطرة تامة بدأت بحرب الخليج الثانية، وتستمر الآن بزخم متسارع جداً منذ 11 سبتمبر بالسيطرة على نفط حوض قزوين، والاحتلال الذي يزكم الأنف برائحة النفط في العراق، والجاثم الى جوار احتياطات أخرى كبيرة في الكويت والسعودية وإيران.كما أكملت أميركا حلقتها النارية الضاربة حول العالم، فهي، إضافة إلى أساطيلها البحرية المتنقلة، تملك قواعد في أوروبا، الجزيرة العربية، وسط آسيا، كوريا، واليابان، معطية لنفسها قوة النار والمرونة الكافيتين لضرب أي دولة «مارقة» أو تنظيم «إرهابي».حتى منظّرا الحقبة الاميركية الحالية، صامويل هانتنغتون وفرانسيس فوكوياما، رغم اختلافهما المنهجي، يتفقان مع ما عرضناه سابقاً من أن 11 سبتمبر هو حدث في التاريخ لا انقلاب فيه. فهانتنغتون - مستبطناً صراع الحضارات الخاص به طبعاً - يرى أن ما يمكن أن يشار إليه كعلامة تاريخية هو «عصر الحروب الإسلامية» التي «بدأت عندما كانت الحرب الباردة تنتهي في الثمانينيات من القرن الماضي» (راجع مقالة: «عصر الحروب الإسلامية» في مجلة نيوزويك، عدد دافوس الخاص، ديسمبر 2001 - فبراير 2002).أما فوكوياما فيتساءل عن 11 سبتمبر: «ما الذي يحصل هنا؟ هل سنشهد بداية لعقود طويلة من «صدام الحضارات» واضعة الغرب في مواجهة الإسلام؟... منذ ما يزيد على عشر سنوات، قلت إننا وصلنا نهاية التاريخ... هذه النظرية تظل صحيحة، أن هجمات 11 سبتمبر تمثل [فقط] حركة ارتجاعية عنيفة يائسة ضد العالم الحديث». (انظر مقالته: «هدفهم: العالم الحديث» في عدد نيوزويك السابق الذكر).هكذا إذاً، يتفق المنظران الرئيسيان لحقبة النيوليبرالية المتوحشة على أن نقطة الارتكاز التاريخية هي نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، أما 11 سبتمبر فهي «حركة ارتجاعية يائسة» كما يراها فوكويوما، أو، برأي هانتغتون، فإن «الحرب الجديدة، كما يسمي مسؤولو الإدارة العنف الذي بدأ في 11 سبتمبر، ليست جديدة على الإطلاق. إنّه استكمال وتصعيد لأنماط سابقة من العنف تورّط فيها المسلمون»، أي الأميركيون، إذا فككنا شيفرة هانتنغتون السحرية!وهكذا، لنحلل بصورة أكثر صواباً، ولنضع 11 سبتمبر في سياق صحيح، نعيد قراءة جمل فوكوياما وهانتغتون الأخيرة كما يلي: إن هجمات 11 سبتمبر تمثل حركة ارتجاعية عنيفة يائسة ضد الهيمنة الإمبريالية المتوحشة المتمثلة بالولايات المتحدة. و«الحرب الجديدة» أو الحرب على «الإرهاب»، ليست جديدة على الإطلاق، بل هي استكمال وتصعيد لأنماط سابقة من العنف تورط فيها الأميركيون في سياق الهيمنة الامبريالية على العالم، وخدمت أحداث 11 سبتمبر كذريعة لها.الحرب على «الإرهاب» هي حرب نفط وأرباح وهيمنة بامتياز، لا حرب ديانات ولا صراع حضارات، وهي حرب بدأت فعلياً منذ بدايات انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود الرأسمالية النيوليبرالية أوائل الثمانينيات، حين تراجع المفهوم الكينزي في الاقتصاد لمصلحة إطلاق الحرية الكاملة للسوق، كما نظر لها فريدرش فون هايك وطبقها رونالد ريغان في الولايات المتحدة ومارغريت تاتشر في بريطانيا. أما 11 سبتمبر 2001 فهو الدليل الساطع على كفاءة الامبرياليات في استخدام الأحداث، والخداع، ونثر النظريات المضللة لأسس الصراع بما يوافق هوى المتلقي، فتتحول مقاومة الامبريالية من فعل تراكمي إيجابي الى دوران في المكان بقصد البقاء لا أكثر، وهو أمر ينجح في إبقائنا أحياءً، ولكنه غير قادر على تحريكنا إلى الأمام على طريق النصر على الهيمنة والاستغلال

09‏/09‏/2007

متشابهون في غزة





نحن في غزة كلنا متشابهون: نمط واحد من البشر صاغته علاقات القوة. لذا فإن حكومة إسماعيل هنية تستحق المديح بالفعل، على هذه الوحدة الوطنية

كلنا متشابهون في غزة: في طباعنا، وفي خوفنا، وفي تقوانا: نستمع إلى واعظ الجمعة في المسجد، مطأطئي رؤوسنا لا نعترض، حتى ولو حرض أبناءنا علينا، وحتى لو طلب منهم أن يتهيأوا لقتلنا إن نحن اعترضنا على حكومة الحق، بغير الحق
كلنا متشابهون في غزة: نذهب إلى البحر جميعا يوم الجمعة عصرا، ونلبس المايوه الإسلامي لما تحت الركبتين، ونطأطئ أبصارنا حين تمر بنا امرأة مغطاة، حتى لا نرى خلخالها، أو قاع قدمها، فنستحق العقوبة
كلنا متشابهون في غزة: نحرم شرب الخمر، ثم نشرب الدماء. نقول بأننا "أهل السنة والجماعة"، ثم نحكم بأحكام "القرامطة". نحب علياً ثم نقاتل مع معاوية. نقول بأن حكم السارق هو قطع اليد، ثم نتعلم من الفقه ما يتيح لنا سرقة المال العام من "الحرز"، فلا تنقطع أيدينا حتى لو ضبطنا متلبسين. نطالب بالزهد في الدنيا، ثم نتزوج أجمل الأبكار، ونترك الثيبات من أرامل الشهداء. ونأكل أفضل اللحوم. ونسكن أفخم البيوت

كلنا متشابهون في غزة: نحرم التدخين، ثم نبيع السجائر بأغلى الأسعار. بعضنا فتحاويون، ولكنهم موالون لحكومة حماس أكثر من مؤسسيها. وبعضنا حمساويون، ولكن عيونهم على أموال محمود عباس. وأكثرنا مستقلون يلبسون تحت جلابياتهم القصيرة الحلل الإفرنجية، استعداداً لتغير موازين القوى

كلنا متشابهون في غزة: مصابون بالعنة قبالة زوجاتنا، ثم لا نخجل من ادعاء الفحولة أمام زملائنا في العمل

كلنا متشابهون في غزة: من قبض منا راتبه ومن لم يقبض، لأن كلا الفريقين سيحرص على حضور صلاة العشاء الآخرة في المسجد، طمعاً في رؤية الأمير إياه، فيهبه "كوبونة" تموين، فيها زيت رديء ودقيق انتهت مدة صلاحيته

كلنا متشابهون في غزة: ولا نعرف الحكمة من خلق الله للبشر مختلفين. حتى بتنا نعتقد أننا بالفعل أمة مميزة، لا تخضع لقوانين التاريخ، ولا لأحكام النصوص المقدسة. لذا فليس مستغربا منا أن نشعر بالكثير من الفخر، عندما نسمع مذيع قناة الأقصى يقول بأننا نعيش في المدينة الفاضلة

كلنا متشابهون في غزة: نتزوج بطريقة واحدة، ونحيي أفراحا إسلامية بذات الطريقة، وندعو نفس المنشد ليغني للعروسين النار بدارك هبت
كلنا متشابهون في غزة: نمدح "أحمد ياسين" بشتم "ياسر عرفات"، ونترحم على "صلاح شحادة" بالدعاء على "سميح المدهون"، ونثني
على بلاغة "إسماعيل هنية" بانتقاص قصيدة محمود درويش

كلنا متشابهون في غزة: لزوجاتنا لحى لأن "النمص" محرم، ولأصواتهن خشونة لأن الخضوع بالقول من صفة المنافقات. ثم تحولن آخر الأمر إلى مخبرات للقوة التنفيذية

كلنا متشابهون في غزة: فكل أولادنا يتعلمون الشريعة في "الجامعة". ورغم أنهم يرسبون في الامتحانات، إلا أنهم لا يزالون ملحين في مطالبتنا بدفع المزيد من الرسوم الباهظة، وتكاليف رحلات "قنص المنافقين" بين حصص المحاضرات. فإذا قلنا لهم بأن الإسلام ليس كذلك، نظروا إلينا نظرات كفيلة بإعادتنا إلى في جحورنا، ونحن نتعوذ بالله من سوء المنقلب

كلنا متشابهون في غزة: نتعامل مع البنوك الإسلامية، رغم أن فوائدها أكثر فحشاً من البنوك "الربوية". ونشرب "مكة كولا" رغم أن البيبسي أفضل منها بكثير. ونأكل الزعتر المخلوط بالأصباغ لأن طاعة "أمير البلاد" تحتم ذلك. ونترحم على الحجاج لأن الخطيب يمتدحه كل جمعة على المنبر. ونقبل بقتل "الحسين" لأنه ثار على "ولي الأمر". ونلعن "جمال عبد الناصر" لأنه قتل "سيد قطب". ونرفض إعلان الأمم المتحدة القاضي بإلغاء الرق، لأنه سيمنعنا في المستقبل من استرقاق اليهوديات الجميلات. ونشتم شيخ الأزهر، لأنه قال إن الغناء مباح. وعندما نعود إلى البيت نضع الـ"الووكمان" على آذاننا، لنستمع إلى "أم كلثوم"، بعيداً عن مراقبة "مندوبات التنفيذية" لدينا

كلنا متشابهون في غزة: نقف على باب المجلس التشريعي بالعصي، لنمنع الأعضاء "المنافقين" من الاجتماع و"تحليل خبزتهم"، ثم لا نتورع عن دعوة الموظفين إلى الذهاب إلى العمل، بحجة أن التغيب عن العمل حرام، وينتج مرتبا حراماً. ومع ذلك لا تحدثنا أنفسنا بدعوة أعضاء التشريعي - المسافرين أبداً - إلى أن يقرنوا فتواهم بالاجتماع، لـ"تحليل خبزتهم" أسوة بالموظفين المطيعين، أو التنازل عن مرتباتهم "الحرام" أسوة برئيس حكومتنا الرشيدة

كلنا متشابهون في غزة: مطخوخون في أرجلنا، ومع ذلك فإن ألسنتنا لا تكف عن مدح حكومة الأمن والأمان. وكل واحد منا يبحث له عن جحر يأمن فيه على نفسه ليوم واحد. وفي الصباح نرتكب الجرائم، على وعد بالتخفيف حين نحفظ القرآن

كلنا متشابهون في غزة: نربي أبناءً ليسوا لنا، ونضاجع نساءً يرفسننا بأقدامهن، ونرفع أعلاماً من لون واحد، وندفع الضرائب لحكومتين، وننتخب رجالاً يقصفون بيوتنا بالهاون، وننادي صلاح الدين أن يقوم لنحاكمه على أشعريته، ونثق بأن هذا النعيم الذي يعيش فيه حكامنا هو من عند الله لا من أموالنا المسروقة

كلنا متشابهون في غزة: جواسيسنا أعلى صوتاً من وطنيينا، ووطنيونا أقسى علينا من نار الجحيم، ومثقفونا مأجورون للحزب الحاكم، وموظفونا يشتغلون كلاب حراسة للوزير

كلنا متشابهون في غزة: نخرأ في الشوارع العامة لعدم وجود مراحيض، ونغافل عناصر التنفيذية بالتبول على ظلالهم، ونطفف في الموازين نكاية بمن قبضوا مرتباتهم، ونمارس العادة السرية نكاية بزوجاتنا، ونشي بجيراننا للأعداء ونحن نقرأ أحاديث الرسول

كلنا متشابهون في غزة: باستثناء الحكام. فقط الحكام عندنا هم المختلفون، في خطابهم وفي أزيائهم وفي أطعمتهم وفي رحلاتهم التي لا تنتهي. ولولا هؤلاء الحكام لانتفت حكمة الله في الاختلاف. فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله

الحمد لله على جوعنا وشبعهم، على خوفنا وأمنهم، على استكانتنا واستغوالهم، على زعترنا وكافيارهم. ثم الحمد لله على أننا وجدنا شيئاً
نختلف فيه أخيراً


د.خضر محجز