20‏/10‏/2007

يوم عادي



لم ينتهي اليوم بعد , الساعة الأن هي العاشرة و النصف مساء, و أنا أستمع إلى كوكتيل أو كولاج موسيقي يتقطع من حين لأخر بسبب رداءة الإنترنت . اليوم كان عاديا جدا , لم أمت قبله , و لست متأكدا كم سأعيش بعده , لم أتغير , ما زلت كما أنا طفل حالم , و عجوز جبلته إخفاقات الحياة , لكنها لم تمنعه أن يعيد الكرة مرة أخرى و أخرى , لم تتحقق نبوءة العرافة : " لن تعيش أكثر من تسع و ثلاثين سنة يا فتى " , و لكنها قد تتحقق , فسكر الدم , و دهونه , و السمنة الزائدة , و القلق المزمن , و الحدة في الطباع في هذا الزمن المائع , و العامل الوراثي , و الموت الذي يسرح و يمرح في شوارع المدينة , كل هذه أسباب كافية لأموت بعد حين

لم أكتب قصتي , و لم أغير نفسي , و لم أتغير , لكن يبدو أن العمر والزمن يقتلان أشياء في ببطء , كذلك البطء الذي تسير به حياتي

عادي هو اليوم , إستيقاظ مبكر و حمام سريع و ذهاب إلى العمل بذقن محلوقة بعد صلاة سريعة , عمل رتيب أضفي عليه لمساتي الغير فنية , المشوهة كعادتها: طوشة صغيرة هنا و مشاحنة هادئة و غير مباشرة مع زميل في العمل هناك , و معارك بلا هدف ولا معنى إلا رغبة في الكمال , و بحثا في تفاصيل الحكاية و العدل و القيم الغائبة ؛ و إلا نتاج لرومانسية لا تغيب عنها الفظاظة ,و دموع ترقد على تخوم المقلتين , , و خوف على شيء يسمونه الضمير , و قلق يكاد أن يشلني , و حساسية في زمن البلادة , و أشياء لا تتسع لها سطور النص لكنها تستوطن روحي طوال الوقت ؛ أشتري بيجامة خريفية رخيصة مستوردة من " جمهورية الصين الشعبية" لصغيرتي من محل مجاور لمكان عملي , و أشتري الجريدة من المكتبة المقابلة له

أعود إلى البيت بعد أن أمر على مكان عملي السابق , الذي أنهيت خدماتي منه بسبب تغييبي عن العمل لما يزيد عن خمسة عشر يوماَ ,حسب ما تقول الأوراق الرسمية, أعود إلى البيت بقطايف , و بلحم يكفي حتى نهاية رمضان, و حمص, و عصير مركز يكفي لما قبل العيد, و كيلو طحين لقلي السمك, و فوط نسائية, و بيجامة خريفية للصغيرة , و الجريدة اليومية التي لم أعد أقرأ سوى عناوينها و إعلانتها؛ أعود إلى البيت حاملاَ أكياس مشترياتي , أمشى مسافة طويلة كالعادة في الطريق إلى موقف التاكسيات التي تذهب إلى بيتي؛ أدخل إلى البيت , تلاقيني زوجتي, و أقبل صغيرتي,أفتح الحاسوب و ألقي نظرة على العنكبوت " كما يسميها خطيب الجمعة" , أنظر إلى بريدي , الكثير من السبام و رسالة من صديقي الفرنسي الذي ينوي زيارة غزة بعد شهر من الأن ,أشاهد مقاطع من المسلسل المعاد ثم أذهب كالعادة إلى السرير لقضاء قيلولتي الطويلة, توقظني أمي على المحمول لتهنئني , و أعود إلى قيلولتي, أستيقظ قبل الإفطار بأقل من ساعة , ألاعب صغيرتي, و قبل أذان المغرب بقليل أصلى صلاة الظهر و العصر, يؤذن المؤذن لأتناول سمكا و جمبري و سلطة و أشرب من مذاب العصير المركز, لم أصلي المغرب و لا العشاء حتى الأن, أضع غلاية القهوة على البوتوجاز, و أحمل صغيرتي للخارج لشراء أربعة سجائر, تهلهل صغيرتي في الشارع , أعود لأشرب قهوة مع القطايف و تطفئ لي زوجتي شمعة , و تشاغب صغيرتي قليلا غير معنية بالأمر , تخرج زوجتي مع الصغيرة إلى بيت الجارة لتشرب الشاي بالنعناع, و ألوذ أنا إلى جهاز الحاسوب, تعودان بعد قليل لأعود إلى ملاعبة الصغيرة, أتركهما بعد قليل لألوذ إلى الجهاز مرة أخرى , و أبدأ بالكتابة

اليوم عادي جدا, لم يهديني أحد شيئا , حتى المكالمة التي توقعتها , كهدية, من المنظمة الدولية لشغل وظيفة في القدس لم تأتي. اليوم عادي جدا, ما زالت الحسرة تملأ قلبي و الحيرة تسلب عقلي , و ما زلت كما أنا عفويا, قلقا , متوترا, بليدا, طموحا, غبيا, فوضويا, فجا, أنانيا, مغرورا, حالما, محبطا, حادا, رخوا, غير مفهوما, مبهما, صلبا, هشا, واقعيا, طوباويا, مليئا بالمتناقضات

اليوم عادي جدا, غرفتي ما زالت غارقة في الفوضى , كتب و ورق على الأرض, وطاولة المكتب مفروشة بالكتب و الورق و الدفاتر و الأقلام , و الجرائد التي لا أتخلص منها بسهولة تملأ كل ركن من الغرفة بالرغم من الصندوق الضخم الذي أضع فيه الجرائد. بالغد سأخذ بعضا من هذه الجرائد لعاملة النظافة في مكان عملي لتضع عليها طعام الإفطار لأولادها

اليوم عادي جدا, لم يتغير شئ , فالأشجار التي تحيط بشقتي الواقعة في الدور الأرضي من العمارة لم أرويها منذ أكثر من شهرين

اليوم عادي جدا, و لكن لا أحد يعرف كم ستكون السنة عادية , فقد أختفي لينعونني عن 39 سنة , كما تنبأت العرافة الغجرية التي كانت تفترش أرض الشارع المزدهر بالرسامين و السواح في العاصمة التي فتحت أبواب قلاعها للريح القادمة من الغرب

اليوم عادي جدا, و ما علي في الساعة الأخيرة سوى أن أرتب غرفة المكتب , و أن أحضر الجرائد لعاملة النظافة