05‏/04‏/2019

سأنساك

سامحني
سأنساك. سأنساك قليلا. سأحذفك من قائمة أصدقائي على الفيس بوك. لن تستطيع بعد اليوم أن تؤرقني بمنشوراتك التي لا تنقطع عن الفيس بوك. لن اسمع بعد اليوم الاحدي و العشرين طلقة التي تطلقها كل يوم في السماء، في سماء الفيس بوك. سامحني، فلم اعد أحتمل طلقاتك التي تطلقها تحية للجميع , للبسطاء و للزعماء و للانبياء و للشياطين و للملائكة و للآلهة. كما لم اعد أستطيع أحتمال كل هذا الصمت الذي اعلنته، كل هذا الصمت الذي أعلنته احتراما لأرواح الشهداء التي صارت تصعد للسماء بلا انقطاع و بلا معنى و بلا هدف... لم أعد أستطيع أحتمال كل هذا الصمت الذي أعلنته حدادا على كل هذا اليأس . سامحني، سأنساك قليلا، لن تكون بعد اليوم ضمن قائمة ال see first على الفيس بوك.

سامحني، سأنساك. سأنساك كثيرا. لن يخرج علي شقيقك بعد اليوم ليناديني باسمك. لن يعود ليذكرني مرة اخرى بمدى الشبه بيننا. لن يذكرني و هو القادم للتو من درعا أو من الدرعية الي عمان, كيف صنعت خمسة عشر عاما من غيابه عنا بعد إجتياح بيروت , مني نسخة قديمة منك.

سامحني سأنساك قليلا. سأنساك و لو بعد حين. قد تأتي سيدة لي في عيادة الانروا لتذكرني بك. ستسألني عنك. لترضي فضولها بالاستفسار عن علاقتي بك. قد تأتي سيدة لتقطع حبل نسياني. قد تأتي واحدة أنهت الدراسة الثانوية، قد تأتي أخرى انقطعت عن دراستها الثانوية قبل عشرين عاما، قبل ثلاثين عاما، قبل أربعين عاما أو حتى قبل خمسين عاما لتسالني عنك ، عن علاقتي بك ، عن سر الشبه بيننا. ستأتي مريضة تعاني من ارتفاع ضغط الدم أو مدرسة تطلب إجازة مرضية لتشوش نسياني. قد تأتي مثلما فعلت الأستاذة ام مروان التى كانت تعمل في مدرسة الرملة المجاورة للمدرسة التي طالما عملت بها. ستسألني إن كنت اخاك الأصغر. قد يفاجيء دخولي على مكتب مديرة مركزللنشاط النسوي مجموعة من الناشطات, اللواتي يدخنن السجائر في الخفاء و يضعن الحجاب، فيباغتنني بالسؤال ان كنت قد صغرت في العمر و الهيئة.

سامحني، سأنساك قليلا. ستفسد نسياني ثلة من النسوة في ساحة التاكسيات. قد يطرحن على السلام. قد تتجرأ احداهن بدفع شيكل عني و انا اركب السيارة.

سامحني ، سأنساك. سأنساك قليلا. سانساك. قد يقطع على هذا النسيان رجل عجوز يندهني باسمك في سوق الزاوية. ساتجاهله، و سيصر مرة أخرى على أن يناديني باسمك. ساتذكرك عندما ينظر إلى بياع الفجل او الخس أو البصل الأخضر و ينادي على باحترام في سوق الزاوية: اتفضل يا استاذ محمد. ساتذكرك في نظرات بائعات الجبنة البلدية، و في نصيحة سيسديها لي بائع السمك في حسبة سوق فراس.

سامحني أيها النسيان. اعذرني أيها النسيان. ساتذكره قليلا عندما اخاف من الموت. عندما اتوتر. عندما يؤرقني الليل. عندما اتشاجر قليلا مع زوجتي. عندما أشكو من الصمت و من الملل . عندما أوغل في اللامبالاة و في الاكتئاب , عندما أصاب بالجذل. عندما اقلع عن التدخين. عندما افكر بالعودة عن الاقلاع عن التدخين. عندما أتصنع. عندما أتصرف على سجيتي. عندما احاول تخفيف وزني. عندما أشعر بالغصة التي لا تفارق قلبي. عندما امضغ مرارة حلقي. عندما انظر إلى وجهي في المرآة. عندما اتذكر الله. عندما اتذكر تناقضات الفلاسفة. عندما أقرأ اسمي الرباعي في جواز السفر. عندما أقرأ اسمي الثلاثي في شهادة المدرسة، في نتيجة مسابقة أفضل موضوع إنشاء بمناسبة عام الطفل العالمي في 1979, في لوحة الشرف، في تبليغ أمن المؤسسات، في شهادة خلو الأمراض, في شهادة حسن السير و السلوك, في تبليغ الأمن الوقائي، في استدعاء الأمن الداخلي، في رخصة قيادة السيارة ، في قائمة المرشحين لوظيفة لن احصل عليها أبدا ، في شهادة ميلادي، في اوراقي الرسمية, في أوراقي الغير رسمية’ في أوراقي القديمة، في أوراقي الحديثة , في أوراقي التي لم تكتب بعد, في .. و في و في...

سامحني.سانساك. سأنساك قليلا. سأنساك كثيرا. سأنساك الى الابد. ساعدم كل صورك. ساحرق كل البومات صوك القديمة. ساحذف كل صورك من كومبيوتري. سأنساك. ساحذفك من ذاكرتي. ساحذفك من ذاكرة حاسوبي. سألغي صورك من الوون درايف. من موبايلي القديم . ساحذف محادثتي الأخيرة معك على الماسنجر. لن اعود الى الماسنجير لأتأكد أنني كنت قد أرسلت لك نسخة مقرصنة من "جمهورية كأن". لن اسال نفسي ان كنت قد استطعت أن تقرأها كما قرأت كل روايات الأسواني و إلياس خوري و إبراهيم نصر الله و صنع الله إبراهيم, التي أحضرتها لك, قبل أن تصمت على الفيس بوك.سأنسى كل ندمي أنني لم أفعل ذلك و ذاك. سأنسي كم كنت أحبك. سأنسى كم أحبك. سأنسى كل شجاراتنا و كل مشاحناتنا و صداقتنا . اعذرني لاني سأنساك. سأنسى كل شيء. أعذرني لاني ساقضي عمري و انا احاول ان انساك. أعذرني لاني سأموت في سبيل أن استطيع ان انساك. سامحني.

04‏/04‏/2019

صور

صور

(شظايا سيرة)

::
صور. أنقاض عمارة حسونة. تحدثني أُمي أنه كان أمامنا أن نشتري شقة صغيرة في العمارة القريبة من قصر الحاكم, أو أن نبني بيتا صغيرة في اخر الزقاق الضيق, الذي سكنا فيه مقابل "دار سيدي"، حيث كانت جدتي     تعتني بنا عندما تكون أمي في عملها في المدرسة.
::
صور. تتطاير الصور في السماء. تتوزع السماء في الصور. تتطاير  الأيام  في الصور.  الصور تلاحق الصور.  

صور. المسها باناملي الناعمة. اشاهدها في الالبوم. اتعلم التصوير على كاميرا الزينيت المستخدمة التي اشتراها والدي من رفح. لا احد يعرف متى بدأت تجارة الأنفاق و لا متي ستنتهي.

صور. اخزن الصور في الذاكرة. امشي في الشارع الترابي. لا شوارع الا حيث الشوارع الترابية. اهجم على كومة من النفايات. اوراق بالعبرية. متعلقات بدون أية قيمة. خردة. يأتي العمال ، متعهدو العمال، و تجار و انصاف تجار بالاثاث المستخدم مجانا او بسعر بخس و يحملون معه كل كراكيب الدنيا. تسحرني أكوام من نيجاتيف الصور، و من أشرطة أفلام السينيما المنزلية. انكب على الأشرطة و على  نيجاتيف الصور. احصل على كنزي. احرص عليه. اتمعن في صور العائلات المستقرة. حفلات الزفاف. أطفال وديعون في عمري, بقمصان زاهية و احذية لامعة. امشي حافي القدمين. تلسعني السميطة. تتسرب رطوبة التراب الى قدماي في الشتاء. اعشق تجميع  أشرطة النيجاتيف من الزبالة. اعراس. طقوس منزلية. كؤوس من النبيذ. تعالج عيناي و دماغي النيجاتيف. انظر الي العالم و تلتقط عيناي و دماغي نيجاتيف لما يحدث حولي.
::
صور. عرض عسكري لكتائب القسام في شارع الترانس. صور. الهروات تحلق في الهواء. الهروات تهبط على ظهور المتظاهرين. صور. الصواريخ تنطلق من مكان ما في غزة. القبة الحديدية مجرد " قبة" من ورق.  الطائرات الحديدية  تنشر حمم النار في السماء. الطائرات تنشر الدمار على الأرض. صورلمندوب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان مبتسما في دير البلح بجوار سيارة حديثة و رأسه ملفوفة بشاش مبلل باليود و بالدم. صور. آثار السياط  على ظهور  من خرجوا من مقر الأمن الداخلي.
::   
صور. صور. سعيد القاسم يقدم نشرة أخبار السابعة مساءً من أوريشاليم. التلفزيون الاسرائيلي ينقل الصور من ميدان مسجد فلسطين. باسم ابو سمية و شيرين ابو عاقلة يخرجان من راديو مونتي كارلو للبث على موجات الاثير القادم من جوار القدس. اغتبط لسماع مقاطع من لماذا تركت الحصان وحيدا من الراديو. الرصاص يتطاير في الهواء المجاور لمسجد فلسطين في غزة. اصغي لنشرة اخبار صوت فلسطين. المذيع يتحدث عن فئة مارقة. اغلق الترانزيستور و ادفن الإذاعة وهي في عامها الأول.
::
صور. ياسرعرفات يصطحب مصوره الشخصي "حسين حسين" الى المنتدى. اصادق شهادة الطب من وزارة الخارجية الروسية و السفارة المصرية في موسكو.  اشاهد مباريات كأس العالم و موكب ياسر عرفات في الطريق بين رفح و غزة. تقلني طائرة شارتر الى مطار بن غوريون. رجال الأمن الإسرائيليون يفتشونني في مطار شيرميتوفا. رجال الأمن يتشاجرون مع طالب من الجليل. أذهب في جولة من السلك للسلك بالاوتوبيانكي.  نزور المنتدي. اشاهد ورنر كريستوفر مع الزعيم الفلسطيني. اشاهد ياسر عرفات لأول مرة في حياتي. يحاولان الاقتراب من القائد. رجال الأمن   يقفون حائلا أمام ذلك. نخمن بأن  حراس ورنر كريستوفر إسرائيليون.انأي بنفسي عن الاقتراب من ياسر عرفات.يترجم لنا رجل ملتحي المحاضرات الافتتاحية لدورة تثقيفية في براغ. اشاهد صورة ياسر عرفات و الرئيس التشيكوسلوفاكي في الصفحة الأولى لجريدة الاتحاد. المترجم التشيكي يظهر بوضوح في الصورة. احتفظ بجريدة الاتحاد في ارشيفي.

 ياسر عرفات يمنح  فني صوت سابق  في تلفزيون أبو ظبي بضعة غرف في  المنتدى. حارس مرمى النادي الاهلي  يتحول إلي مقدم برامج و عضو في المجلس التشريعي. سفير منظمة التحرير السابق في موسكو ضيف دائم على تلفزيون فلسطين. مدير الوكالة الفلسطينية للانباء "وفا" في بيروت يفتتح مقهى و مطحنة للقهوة أمام مستشفى الشفاء. ارى السفير السابق و حارس المرمى مع مدير وفا  , يحتسون القهوة التركية مرارا في ديليس. ارتطم بزامور سيارة إسعاف تنقل جثمان عبد المعطي السبعاوي. يأتون بجثة هشام مكي الى مستشفى الشفاء بعد  أيام  محاولين إنقاذه من رصاصتين في الرأس و الصدر. مهدي ابو سردانة مستعد أن يحول اي جملة الي جملة موسيقية. التلفزيون  يبث اغنية" صور يا مصوراتي صورة لاهلى و خواتي".
::
صور. الصور تتوقف في صندوق الجولد ستار. الزنانات تشوش على التقاط البث. الزنانات تطير في الهواء كالذباب المزعج. طنين الذباب يصم الاذان. ذبدبات الذباب تنذر بقيام القيامة.

صور. الزنانات تطير فوق رؤوسنا. الزنانات تطير فوق أعناقنا. فوق أجسادنا. فوق البنايات التى نقيم فيها. فوق الهواء الذي نتفسه. الزنانات تلتقط الصور. الزنانات ترسل الصور الى حاسوب تنظر إليه فتاة فاتنة. شاب وسيم. ياخذ احداثيات الموقع. تأخذ زبدة المعلومة. تخزنها في قاعدة البيانات. يضغط على الحاسوب. ينطلق سائل حارق من الزنانة. ينفذ من نافذة أو فتحة في السقف. تتلاشى الاعضاء. تذوب العظام. طائرة الاباشي لا تعتذر للقبيلة التي تحمل اسمها. طائرة الاباشي تخلد ذكرى الهنود الحمر الذين ابادهم احفاد القادمين من مجاعات البطاطا و بقايا محاكم التفتيش. طائرة الاباشي تحلق فوقنا. طائرة F16   ترمي حممها في السماء. طائرة F16   تصوب حمولتها على الهدف. زنانة أخرى تحلق فى السماء. الزنانة تلتقط صور الأشعة رباعية الأبعاد. رئيس الوزراء يختبئ في قسم الأشعة. تسيبي ليفني تهدد بقصف قسم الولادة.  

صور. تتكاثر الصور. صور الذباب. الزنانات. الضحايا. الجناة. اتجشأ من كثرة الصور. تحاصرني الصور . صور لركام البيوت. للشهداء. للقادة الملهمين. لمشاريع الشهادة. لمشاريع القادة. للامناء العامين للفصائل. لاعضاء اللجنة المركزية. للمجلس الثوري. للمجرمين. لمجرمي الحرب. للصوص الاراضي. للصوص الملكية الفكرية. لأعضاء المجلس المركزي. للمحللين السياسين. لخبراء التنمية.  لورق الطابو.  لاملاك الغائبين. لضحايا الحصار. للمبدعيين. للمساكين. لمن لا تنتشلهم الصور من البؤس.
::
صور.صور القصف. صاروخ ينطلق بالخطأ من رفح ليصيب منزلا في شمال شرق تل أبيب. ال F16  تحلق فوق غزة. صورة ليافطة شركة الملتزم للتأمين و الاستثمار وسط ركام بقايا مدخل عمارة قديمة.  إصابة  مقر للأمن الداخلي بالقرب من قصر الحاكم . اتذكر الجميزات. كنا نستقل سيارة الأجرة من ساحة التاكسيات إلى قصر الحاكم. كان والدي يقول للسائق "على الجميزات". كان عم والدي يسكن في بيت واسع بالقرب من قصر الحاكم. كنا نمشي بالقرب منه, كنا نخاف من الجنود. كنا ننظر عبر السياج لنري الجنود مستلقيين على مراجيح بين الأشجار أو يلعبون تنس الطائرة. قبل أن أبلغ الخامسة عشر من عمري، غادر عم والدي بيته المستأجر القريب من قصر الحاكم الى بيت مستأجر آخر في شارع رئيسي في حي الشجاعية. بعد قدوم السلطة, حول صاحب البيت,  الذي إستأجره عم والدي بالقرب من قصر الحاكم أوئل السبعينات, بالشراكة مع فنانة مصرية إلى مقهى أسمياه   " الطاحونة".
::
صور. صور شبان يحرقون اطارات الكاوتشوك. يرمون الحجارة على جنود مددججين بالحديد و البارود و قنابل الغاز. فتيات بالمراييل المخططة يرجعن  من مدارسهن قبل الظهر بجوار حائط خطت عليه الشعارات. شارع فهمي بيك مسدود بالبراميل. جدار كتب عليه: " بلادي لي و للعمال تبقى و لن تبقى لتجار السلاح".

صور. في روسيا البيضاء,  نستعيض عن الطحينية  بالمايونيزونصنع الحمص بالبطاطا؛ و في روسيا البيضاء, احرص على جمع الصور من مجلات الفصائل. اقلد رسم الصور الملونة التي كانت تظهر على أغلفة فلسطين الثورة. ارسم الوجوه و تخوم الأجساد بريشة غير دقيقة بالحبر الاسود و اعبأ الفراغات البيضاء بالالوان المائية. احلم باقامة معرضاً للصور. و تبقى روسيا البيضاء بيضاء كالشهور السته التي قضيتها فيها.

 تنهمر الصور. صور الأمين العام للحزب. افتتاح المؤتمر السابع و العشرين. أعضاء المكتب السياسي. شهداء الوطن السوفياتي في الحرب الوطنية العظمى و في اعالى جبال افغانستان. صور النياشين في كل مكان. أغلفى مجلة " أوجانيوك". أفيشات فيلم " موسكو لا تعرف الدموع". في محج قلعة, أشاهد امرأة بكامل بهائها تحمل مسدسا في حقيبتها. المحه و هي تخرج اوراق البنكوت السوفياتية لتدفع ثمن الرسالة المسجلة المرسلة الى صنعاء. الاطفال يمارسون طقوس الحلم الاشتراكي. الاطفال يمارسون طقوس الحزن السوفياتي. الاطفال يلعبون بفرح. الاطفال يضعون الزهور على ضريحِ شهداء الحرب, بينما أقرأ جريدة تشرين السورية. لم اجد في كشك الجرائد المقابل لبيت رسول جمزاتوف اي شيء اقراه بالعربية سوى تشرين و انباء موسكو. الاول من ايار, اكتشف أن قائدة الكومسومول تأخذ الحضور و الغياب في المسيرة. اتذكر مسيرة يوم العمال في رواية الام. تعودنا  على الحمامات العمومية في سكن الطلبة و لم نعد نشعر بالغثيان.
::
صور. تنهمر الصور. جمال الدرة يحتضن ابنه. تقلني سيارة الأجرة من شارع صلاح الدين إلى مستشفى ناصر في خانيونييس. الرصاص يتطاير حولنا و نحن في السيارة بالقرب من البوليس الحربي و لا نسمع صوته. يعلمني سائقو المرسيدس أن هدير موتور السيارة في اذاننا أعلى من  أزيز الرصاص و حتى من القصف. اكتشف بالقرب من عمارة جاسر أن لفتح علما باللون الاصفر، اخاله راية لحزب الله . اصعد الى وحدة القلب لاعاين مريض و اشاهد نشرة الأخبار. أعرف أن محمد الدرة قد قتل بالقرب من البوليس الحربي. كل شيء تغير ، أصبح اسم البوليس الحربي مفرق الشهداء.

صور. صور الشهداء على أعمدة الكهرباء. صور الشهداء في ملصقات الفصائل. الشهداء في السماء بلا أوسمة و لا نياشين. أسمع عبد العزيز الرنتيسى يتحدث من اذاعة لندن عن الشهداء المتوضيئين. المستشفي يستقبل الشهداء و مشاريع الشهادة من حاجز التفاح, من حكر الجامع , من شارع صلاح الدين, من رفح و من كل مكان جنوب مفرق الشهداء . الرصاص مصوب إلي الرأس, إلى الصدر,  إلى الأطراف ؛ و الجنود  يختبرون قدراتهم في قنص شريان الفخد.  صحفي فرنسي يخبرني أنه شاهد أشعة حمراء قبل وصول الرصاص إلى هدفه.

صباح الجمعة, أعود من مناوبتي الليلية في مستشفي ناصر. سيارة المرسيدس  تتجه غرباً لتمر عن طريق البحر. أشاهد جموع متناثرة بالقرب من قصر الحاكم. الدخان يتصاعد في السماء. السيارة تصل إلى الجندي المجهول. جموع أخرى بالقرب من محل لبيع الوجبات السريعة. تصطف صناديق لزجاجات المشروبات الغازية و العصائر أمام المطعم الشعبي, كأنها كانت عرضة للتفتيش. ألاحظ  زجاجات من البيرة مكسورة و  مرمية علي الأرض. يستقل راكب جديد سيارة الأجرة. يخبرنا أن الأولاد أحرقوا مقهي الطاحونة لانه يقدم المشروبات الروحية و ينشر الرذيلة. أشاهد إسماعيل هنية و إسماعيل أبو شنب يتمشيان بالقرب من الجندي المجهول. أخرج رأسي من شباك السيارة الأمامية و أصرخ كالمجنون, لكن هدير المحرك  كان أعلى من صوتي حسب سائقي المرسيديس. 
::
كبرت , هرمت , شاخت أعضائي . تحولت إلى خرقة بالية,إلى  كومة من الخردة , كومة من أشرطة نيجاتيف الصور القديمة. أتركوني و لو لحين. لا ترموني الأن, ارموني عندما تتخلصوا من آثاثكم القديم, إرموني عندما ترموا فصائلكم القديمة و الحديثة , عندما تتخلصوا من قياداتكم , من ألابيم صوركم و نياشينكم و شعاراتكم و خطاباتكم التي لا تغني و لا تسمن من جوع , من حزنكم القديم و فرحكم المزيف , من بؤسكم المعتق و ثرائكم المؤقت. إرموني إن شئتم , إرموني متي تشاؤون , إرموني الآن فلم أعد أصلح لالتقاط الصور.أتركوني لاغادركم إلى طبيب العيون لأعرف كم سنة باقية حتي يتلف عصبي البصري.