19‏/03‏/2019

من أجل أربعة عشر دونما في القمر


و انا ايضا مثلك، انا لم افكر يوما في ترك البلد. انا مثلك تماما لم ارى نفسي في أسوأ كوابيسي مهاجرا بعيدا عنها.
كيف لي أن أترك البلد, و انا من كان يحرس المستشفى من الصراصير و الاوبئة،عندما كان حراسها يشربون القهوة في مكتب المدير الذي عُين بناء على تزكية اخية, سفيرنا في القاهرة. و انا الذي كان يداوي المصابين باستسقاء الرئة و الذبحات الصدرية عندما كان اخصائي القلب يقوم بزياراته التي لم تنقطع لمديرعام الوزارة ليناقش معه كتاب الرئيس بتعينه مديرا عاما للتخطيط في وزاره كان بها أكثر من مائه مدير عام.

انا مثلك تماما، لا اريد أن اهاجر الى بلاد لا تتكلم العربية، و لا اريد ان أسير فى شوارع لا اسمع فيها اغاني ام كلثوم. و لا اريد مثلك تماما أن أبتعد عن رائحة الفلافل و لا عن منظر نساءٍ خلفهن جيش من الأطفال. انا مثلك تماما اخشي من نظرات الأوروبيين لغطاء راس زوجتي و لبشرة بنتي السمراء و للكنتي الواضحة.

انا مثلك تماما، انا منحت هذه البلد عمري و شبابي و احلامي و عضلاتي و جنوني و فكري. لكن هناك فرق بسيط بيني و بينك، انا لم افكر يوما مثلك أنني كنت امنح البلد شيئا. انا كنت و ما زلت ساذجا جدا لدرجة أنني لم أنتظر منها شيئا. انا قضيت خمس سنوات في السجن و تعلمت و تخرجت و انتظرت أشهرا بل سنوات لاحصل على وظيفة، بينما انت حصلت على الوظيفة بتزكية من واسطتك أو بفضل كتاب رفعه فصيلك الى السيد الرئيس. انا كنت احمد الله على الوظيفة التى حصلت عليها بعد عناء، بينما كنت انت تواصل سعيك الحثيث عبر شطارتك و عبر الفصيل و الشلة و شبكه علاقاتك وعلاقات علاقاتك للحصول على درجة مدير أو مدير عام و واصلت نضالك حتى حصلت على سيارة الباسات و البدلات المضافة لراتبك.

انا مثلك تماما، لا اريد ان اركب المترو و لا اريد ان أواجه صدمة ثقافية برؤية الشقراوات بالشورت و هن يشربن البيرة البلجيكية على أرصفة شوارع أنتويرب. لكن هناك فرق بسيط بيني و بينك. انا رجل عادي بسيط لا يهتم به أحد، و لا يحسب الأمن الداخلى حسابا لة أو لرد فعل فصيله أو لتغطية وسائل الإعلام للحدث عندما يستدعيه للتحقيق حول نكته تافهة نثرها في الفضاء أو بوست سخيف شاركه على الفيس بوك. نعم انا رجل بسيط، بسيط جدا بالرغم من كل شئ، فأنا لن استشير اي عضو في المكتب السياسي لفصيلي عندما ساذهب غدا للاحتجاج في الترانس كما لم افعل ذلك عندما فعلت الشئ نفسه قبل سنتين في نفس المكان.

انا غيرك تماما. انا لم اشتري ربع دونم في الزوايدة أو في التوام أو في الشيخ عجلين، و لم أسعى لذلك. و لم احصل على قطعة أرض بكتاب من الرئيس ايام فتح و على قطعة أخري من سلطة توزيع الاراضي ايام حماس، و لم أسعى لذلك. أنا لم استثمر لا في شاليه و لا في شقة. انا اكتفيت باوراق الطابو لمائتين و تسعة و ثمانين دونما نجت عندما إضطر جدي ترك بلدتنا الأصلية. انا اكتفيت بالحلم بحصتي في ملكية اربعة عشر دونما في القمر.

انا غيرك تماما، انا لا اريد مثلك شارعا بحفر و قاذورات و بقطط نافقة لانني اعرف تماما ان ثمن هذه البشاعة هو بيوتكم الفخمة. انا لا اريد مثلك أن أقول أنني لن اهاجر بينما ابعث اولادي إلى اوروبا و كندا و أمريكا و أستراليا ليحتكوا بالحضارة، و أردد وراء جبران خليل جبران أن " اولادكم ليسوا لكم , اولادكم هم أبناء الحياة" .

انا غيرك تماما، انا هو الذي سرقت انت منه ورقته, التي قضي يعمل عليها شهراً و نصف, ثم وضعت انت اسمك بسهوله عليها، لتضيف إنجازا بسيطا جدا الى رصيدك الضخم من الانجازات و المآثر التي لا تنتهي , فانت احدث عضوإلتحق بالمجلس المركزي مع انضمام احدث فصائل منظمة التحرير اليها، و انت اخر عضو فى مجلس الشوري تم انتخابه في اخر مشاورات للحركة، و انت أحد المتحدثين الرسميين الذين باتوا يظهرون على شاشات الجزيرة و العربية و الميادين ليتحدثوا باسم الحركة بعد مؤتمرها الأخير ، و انت عضو المكتب السياسي للنجمة الحمراء و البندقية، و أنت الشخصية البارزة في المنظمات الأهلية , و انت عضو اللجنة العليا لمسيرة العودة و فك الحصار و انت ، و انت, و أنت ...

اما انا، فأنا غيرك تماما، انا الان في الاربعين ، انا الان في الخامسة و الاربعين، انا تجاوزت الخمسين ، انا قاربت على الستين، ... انا قاربت على الجنون ..انا اوغلت في الجنون..

انا غيرك تماما، انا سافرت من معبر رفح... انا لست مثلك حتى استخدم علاقاتي للحصول على تنسيق من حماس و من المصريين و من السلطة و من الإسرائيليين عندما أسافر عن طريق المعبر أو الجسر. انا دفعت رشوة... نعم دفعت رشوة فهل يستطيع أحد أن يخرج من غزة بدون أن يدفع رشوة..

انا الان في اسطنبول.... انا الان في سفينة بين تركيا واليونان.... انا الذي أقاموا له بيت عزاء في الشيخ رضوان و قالوا انه شهيد الخبز بعد أن غرق في طريقه من عنابة الى اسبانيا... انا اقبع الان في حجز مطار بروكسيل.. انا انتظر الان قرارا بخصوص طلب لجوئى للاتحاد الأوروبي.... انا الان في معسكر في إيطاليا.... انا الان في غرفة في اندرليخت لحين حصول اسرتي على تأشيرة من السفارة البلجيكية .... انا الان في امستردام، انا الان في اثينا، في كوالالمبور ، أنا مستقرالأن مع أسرتي في الصقيع في أوميا , أنا أسوي وضعي مع الحكومة السويدية في مالمو ... انا الان في شارع الترانس في معسكر جباليا ، في مخيم يبنا في رفح , في النصيرات ،في السلطان ، في بيرالنعجة، في جحر الديك ، في شارع البحر بجوار بيتك في خانيونيس .... انا الأن في الدرج أو في الشجاعية و الزيتون ....انا الذي تؤشر انت الان باصبعك نحوه و تردد الجملة التي تحفظها عن ظهر قلب بسخرية " الوطن ليس فندقا نتركه عندما تسوء فيه الخدمة" . انا الذي قدم طلبا للحصول على جواز سفر من رام الله للسفر في أقرب فرصة إلى الخارج؛ انا الذي هاجر من البلد ؛ انا الذي يحلم بالهروب من البلد حتى يستطيع أو يستطيع أبناءه الحفاظ على الأربعة عشر دونما التي يمتلكها على سطح القمر








ليست هناك تعليقات: