12‏/06‏/2019

بذور لنص أطول

تركتاني أمام طاولة الطعام. ذًهبتا للنوم. أستمر في الحملقة في شاشة اللابتوب الرابض أمامي على سطح الطاولة. التراك يقود الأغانى والموسيقى على الساوند كلاود. الأوراق و الكتب و منفضة السجائر و وصلات اللابتوب و شاحن الجوال تنشر الفوضى على الطاولة. الفوضى تغزو روحي و أفكاري. تبدو أي محاولة لترتيبها فاشلة منذ البداية.
ذهبتا إلى الفراش الدافيء. تركتاني في ملابسي الصوفية و جرابيني. أقاوم برد التشارين وحدي. لقد أصبح جسدي حساساً لهذا البرد, بعد أن كان سابقاً يتقبله بدون أدني مضض.
تنطفئ الإنارة التي يزودنا بها مولد الشركة الصغيرة الخاصة عند حلول منتصف الليل. يبدد شاحن الليدات الكهربائي , الموضوع في الممر المؤدي إلى غرف النوم, شيئاً من ظلمة الليل. الصقيع كما هو. أسحب سلك الشاحن من إبريز الكهرباء. أحمل الشاحن الكهربائي . أدخل غرفة صغيرتي. أطمئن عليها. أتأكد أن الحرامات تدثر جسدها. أتأكد أن زوجتي تغط في النوم. أضع الشاحن الكهربائي على الطاولة. يضيف الشاحن إلى الفوضى عنصراً جديداً.
أضغط على مفتاح من مفاتيح الكي بورد. أيقظ اللابتوب من سباته. تبقى له ساعتين و نصف من الزمن الإحتياطي للعمل على البطارية. أضع اللايكات على الفيس بوك. أنقر على الشاشة لتقودني الروابط إلى قراءات لم اكن أخطط لها و لا أتوقعها.تراك الساوند كلاود يأخذني من الموسيقى إلى أشعار شعراء مجهولين. أستمع بإعجاب. أعيش في عالمي الخاص خارج المدينة التي تتوشح بالظلام. يلسع البرد قدماي. أمص الفلتر. أسحب نفساً عميقاً. أبتلع دخان السيجارة. ألاحظ أن شفتي العليا أصابها القشف بسبب البرد. ها أنا مثل طفلتي الصغيرة أعاني من تقشف الشفتين بسبب البرد. أداعب شفتى العليا بأسناني العليا.
يمضي الوقت. أتذكر مديري في العمل. يتصابى. يوزع النكات الجنسية التافهة في طريقه. لا يبالي بأي شئ إلا بأن يغادرالعمل و هو على خير ما يرام. إرتطمت بإسم صاحبي على الفيس بوك. لقد أنشأ صفحة شخصية على الفيس بوك و عرف نفسه على أساس أنه " بابليك فيجار" شخصية عامة. أصيبت بالغيظ منه و من الحالة العامة. حسبته لسنواتٍ صديقاً, فإذا به يسرقني في وضح النهار. وضع إسمه على الورقة التي أنفقت عليها أكثر من شهر كامل من جهدي و ها هو الأن يتأستذ علىَ. ماذا كان على أن أتوقع من قائد سياسي يظهر بين الحين و الأخر على الفضائيات و بات إسمه من المرشحين لعضوية المجلس الوطني؟
يستمر تراك الساوند كلاود بدون أي توقف. لا أهتم به. تخطر في بالى هواجس عن الهجرة إلى الشمال. تبدو الهجرة في مثل هكذا عمر كنوع من الجنون. مثل الإنتحار في أرذل العمر أو كالطلاق بعد ثلاثين عاماً من الزواج. تظهر إشارة على الشاشة تحذر بأنه تبقى 10% من شحنة بطارية اللابتوب. تروق لى الأغنية التي التي يبثها الساوند كلاود. أتجاهل الإشارة و أستمر في الإستماع إلى الأغنية و تصفح الإنترنت. أشعل سيجارة جديدة. تظهر إشارة جديدة بأن شحنة بطارية اللابتوب لم يتبقى منها سوى 7%. أُطبق شاشة اللابتوب على لوحة المفاتيح.
يذهب اللابتوب إلى النوم. أبقيه يقظاً كجندي على التخوم بدون أي إغلاق. أهم إلى الفراش. أتفقد صغيرتي و غطائها. أدخل غرفة نومنا. زوجتى غارقة في النوم. أسحب الغطاء قليلاً عنها. أضعه على جسدي. أضع رأسي على الوسادة. تغط زوجتي في نومها. أشعر بالأرق. أغفو. أرى مديري في العمل و صاحبي السياسي اللص في المنام. أستيقظ و أغفو. أهيم فوق سحب من الأحلام.
:234:
يرن موبايل زوجتي في الساعة السادسة و الربع صباحاً. تستيقظ من نومها. تنهض من فراشها. أخذ غفوة. يرن موبايلي بعد ربع ساعة. أضغط على ( سنوز) . أخذ غفوة إضافية . يرن موباليلي مرة أخرى بعد عشرة دقائق. أضغط على سنوز مرة ثانية . يرن منبه الموبايل مرة ثالثة. أجمع قواى الخائرة و بقايا النوم. أنهض من السرير. أشعر أنني كنت ميتاً. أتمنى أن أبقى ميتاً في فراشي. كثيراً ما أشعر بذلك , لكنني في كل مرة أتذكر أنني ما زلت حيا, و أنهض. أتذكر شعوري المزمن بالموت , و أنهض.
أنظر إلى زوجتي في غرفة نوم الصغيرة. مازالت تيقظ طفلتنا. أرفع صوتي عالياً و أطالب صغيرتنا بالنهوض من الفراش. أشم رائحة القهوة. أشعر بحاجة إلى سيجارة. أتوجه إلى التواليت. ألاحظ أن زوجتي إستغلت قدوم الكهرباء التي تزودنا بها شركة التوزيع الحكومية الساعة السادسة صباحاً حسب جدول الثماني ساعات و أشعلت قابس سخان الماء الكهربائي. المياه دافئة في الصنابير. أحلق ذقني. أضع خيطاً من معجون الأسنان على الفرشاة. أخذ الفرشاة معي. أضبط تدفق الماء الساخنة و الباردة من الدوش. أضع رأسي تحت الدوش. أخذ حماماً سريعاً. أفرش أسناني بالفرشاة و رأسي تحت الماء الفاتر. الدوش و معجون الأسنان بطعم النعناع يمنحاني نوعا من الانتعاش. أرتدي ملابسي الداخلية. أهرول لغرفة النوم. أغرق إبطي بمزيل العرق. أرتدي ملابسي. أنظر إلى وجهي في المرآة. ألاحظ شواربي الكثة.أراقب الأبيض الذي يغزو الشعر. تاج رمادي يتوج رأسي. أنظر إلى وجهي الممتقع.إلى الهالتين الداكنتين حول عينيي. الى كل هذا الحزن . كنت غالباً ما أشعر بالكآبة . قد أقلمت نفسي على مستوى من الحزن يمكنني من مواصلة الحياة. أنظر إلي المرآة. أعجز عن الابتسام.أحدث نفسي أنني لست الوحيد العاجز عن الإبتسام, بل أن كل من يحيا هنا لا يستطيع الإبتسام بصدق ؛ البعض نسي كيف تكون الإبتسامة؛ الأخرون يبتسمون في انتظار مقابل, و يشتمون من يبتسمون في وجوههم ما أن يعطونهم ظهورهم.
أصفف شعري سريعاً. أرش الكولونيا على ذقني الحليقة. أستمتع باللسعة التي تثيرها الكولونيا في وجهي . أقبل طفلتي و هي ترتدي ملابسها. أبتلع كأس القهوة الفاترة بسرعة كأني أشرب كوباً من الماء. أضع اللابتوب في حقيبته. أنقد طفلتي مصروفها اليومي. أعانقها سريعاً بهدوء. لن أرافقها هذا الصباح إلى السيارة التي تقلها إلى مدرستها الخاصة. على أن أركض إلى عملى. أخرج من الشقة. يلفحني برد التشارين.
البرد. يداي مثلجتان. أداعب شفتي العليا بأسناني. أحاول أن أخدش القشف. تقف لي سيارة أجرة. أفاوض السائق أن يقلني إلى مكان عملي مباشرة بدون التوقف في سوق المخيم القريب. سأضطر للإنتظار طويلاً في سوق المخيم القريب حتى أستطيع ان أستقل سيارة أجرة أخرى إلى مكان عملي. يرفض السائق أن يقلني إلى مكان عملي مباشرة . أنصاع للأمر .
أجلس في المقعد الأمامي للسيارة. الشرطة تتحرز على بعض التلاميذ . أحسب أن مظاهرات قد إندلعت في المدارس إحتجاجاً على شركة توزيع و توليد الكهرباء الحكومية. يصححني سائق سيارة الأجرة بأن الشرطة تحرزت على التلاميذ لهروبهم من المدرسة الإعدادية. العساكر يضعون التلاميذ في في بوكس سيارتهم. نقترب من الوادي الجاف. رائحة كريهة تجتاح أنفي. نجتاز الجسر البسيط الذي قصفته الطائرات في الحرب الأخيرة و أعادت بناءه البرازيل. تتجاوز سيارة الشرطة سيارة الأجرة التي أستقلها. أشاهد الأطفال بحقائبهم المدرسية على أكتافهم و العساكر برشاشاتهم الموجهة إلى الأرض يجلسون متجاورين في بوكس السيارة.
تنتهي الفرجة. أشعر بالبرد, تستفزني شفتاي الخشنتان. أغلق نافذة المقعد الأمامي لسيارة الأجرة. نصل السوق. مركز المخيم. أخرج من السيارة.
يتكرر المشهد اليومي. العمارات الرمادية. الفوضى. يافطات المكاتب, المختبرات, و عيادات الأطباء المسائية تزين عمارات باذخة إلى حدٍ ما. بسطات الخضار و الفواكه؛ عربات تبيع المشروبات الساخنة؛ أكشاك صغيرة لبيع السجائر؛ سيارات الأجرة المصطفة حتى تملأ حمولتها؛ الركاب الذين ينتظرون واقفين مؤشرين لأي سيارة تقلهم إلى وجهتهم بدون الإضطرار للإنتظار ريثما تملأ سيارات الأجرة حمولتها؛ رجال الشرطة الذين يتربصون بالسائقين.
أمشي قليلاً. أتجاهل سيارات الأجرة المصطفة. أتجاوز رجال الشرطة. أقف مؤشراَ لأي سيارة تقلني إلى مكان عملي. روث الحمير ينتشر على الأسفلت. حاويات النفايات موزعة علي الرصيف الذي يقسم الشارع إلى إتجاهين متعاكسين. رائحة النفايات و الروث تصيبني بالغثيان. تقف لى سيارة. أخبر السائق عن وجهتي. إركب. أستقل سيارة السوبارو القديمة ألى مكان عملي. تتحرك السيارة كسلحفاة كئيبة تفكر بالإنتحار.

ليست هناك تعليقات: