16‏/08‏/2007

مقال في الصميم
هل سبق لدهر أن أشفق على أحد؟؟؟!!!
حسن خضر

إذا أردنا الحق، فإن منع إطلاق النار في الأعراس، وعدم السماح بالتظاهر دون إذن، وحماية الـمجتمع من الفوضى، أشياء صحيحة ومطلوبة، لكن تطبيقها من جانب ميليشيا استولت على غزة بقوّة السلاح، يستدعي البحث عن دلالات أبعد من التفسيرات الإجرائية والجزئية. وما هو أبعد يتمثل في حقيقة أننا نشهد ولادة ما يمكن تسميته نظام حماس السياسي في غزة، وأن الأحداث الصغيرة والـمتفرقة، مثل مداهمة سهرة هنا، أو منع تظاهرة هناك، وإن تكن مجرّد نقلات افتتاحية في لعبة ستحتاج إلى وقت أطول، إلا أنها تكفي لتشخيص السمات النهائية لذلك النظام، في حال قدّر لغزة البقاء تحت سيطرة حماس.السمة الأولى لنظام حماس ستكون الاستفراد بالسلطة، والقضاء على الخصوم، والـمعارضين، والـمخالفين، والـمختلفين، بالقوّة. وفي أفضل الأحوال، لن يكون حال فتح، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، والجهاد الإسلامي، وبقية الجماعات، في ظل النظام الحماسي الجديد أفضل من حال الأحزاب والقوى السياسية في ظل النظام القائم حاليا في دمشق، أو في ظل نظام صدّام قبل سقوطه في بغداد. بعبارة أخرى، لن تكون هذه الجماعات أكثر من واجهات خارجية بلا مضامين حقيقية، وسينتهي بها الأمر إلى تلقي أوامر من موظف أمن في السرايا الحكومية في غزة، ولن يُنتظر منها سوى مديح الوحدة الوطنية، وتلقي التعليمات من جهاز يشبه الضابطة الفدائية في سورية. هذا إذا لـم يتم القضاء عليها بطريقة تدريجية.سيجد الناس صعوبة في تصوّر إمكانية حدوث أمر كهذا، ففي غزة قوى وأحزاب وتقاليد، وجماهير ستمنع ذلك. وقد وجد الناس صعوبة في تصوّر حدوث أمر كهذا بعد وصول الانقلابيين إلى سدة الحكم في سورية والعراق، ففي كلا البلدين كانت قوى وأحزاب وتقاليد، وجماهير يمكن أن تمنع ذلك.وكما فشلت القوى، والأحزاب، والتقاليد، والجماهير، في الحيلولة دون تصفية الانقلابيين للتعددية السياسية والثقافية في دمشق وبغداد، وإنشاء أنظمة دكتاتورية؛ ستفشل في الحيلولة دون تصفية ميليشيا حماس لتقاليد التعددية السياسية والثقافية، وإنشاء دكتاتوريتها الخاصة.ولست، هنا، في معرض الكلام عن الـمرافعات التي استخدمها حكام بغداد ودمشق، لتبرير الاستفراد بالحكم وتصفية الحلفاء السابقين، وحظر كل شكل من أشكال الـمعارضة. فهناك، دائما، الكثير من الـمرافعات. وكما عثر الحكّام الجدد على مرافعات كافية، وعلى ما يكفي من الـمأجورين، والـمذعورين، والـمخدوعين، لتبرير الاستيلاء على السلطة، وتصفية الـمعارضة، والبقاء في سدة الحكم إلى الأبد؛ سيجد حكّام غزة الجدد ما يكفي من الـمرافعات، وما يفي بالغرض ويزيد من الـمأجورين، والـمذعورين، والـمخدوعين، لتبرير الاستيلاء على السلطة (حتى في غزة الفقيرة الـمنكوبة) وتصفية الـمعارضة، والبقاء في الحكم إلى الأبد.وكما كان صعود "البعث" إلى سدة الحكم في دمشق وبغداد تعبيرا عن صعود قوى اجتماعية جديدة (ريفية وشبه مدينية، وذات تمركزات طائفية)، علينا قراءة صعود حماس في الحقل السياسي الفلسطيني، ونجاحها في الاستيلاء على غزة، كتعبير عن صعود قوى اجتماعية جديدة في فلسطين (مخيمات، وبلدات مريّفة، ذات تمركزات مناطقية).وبقدر ما ترك صعود القوى الاجتماعية الجديدة آثارا بعيدة الـمدى، ومأساوية في أحيان كثيرة، على حاضر ومستقبل سورية والعراق؛ سيترك صعود القوى الاجتماعية الجديدة في فلسطين آثارا بعيدة الـمدى، ومأساوية، على حاضر ومستقبل فلسطين.ومع ذلك، لا ينبغي تغييب الفرق بين النظامين السوري والعراقي من ناحية، ونظام حماس، الذي يتشكّل تحت أعيننا، من ناحية ثانية. كما لا ينبغي تغييب الفرق بينه وبين نظام السلطة الفلسطينية، الذي انتهى من ناحية عملية في انتخابات الـمجلس التشريعي في أوائل العام الـماضي.الفرق الأهم أن الشعبوية ديانة مدنية من حيث الجوهر. ولذا لن تتمكن حماس من إنشاء نظام يقوم على شعبوية سياسية وثقافية دون التنازل عن مكوّنات أساسية في أيديولوجية تحكمها ضوابط دينية. وهذا أمر صعب التحقيق. لذا، ستجد نفسها في مكان ما بين إمارة طالبان الأفغانية، وجمهورية البشير الإسلاموية في الخرطوم.وليس لـما يقوله حكّام غزة الجدد، هذه الأيام، عن الهوية الأيديولوجية لنظامهم، من أهمية خاصة، لأن الكلام في مرحلة التأسيس لا يعني شيئا في جميع الأحوال، بل يصدر استنادا إلى اعتبارات سياسية واجتماعية وتكتيكية غالبا ما تتغيّر.إلى هذه الاعتبارات تُضاف حقيقة أن نظام حماس بلا سيادة، ولا موارد، ولا شرعية في الإقليم والعالـم، إذا استثنينا جماعات الإخوان الـمسلـمين، ودولا في حجم وأهمية ومكانة وخطورة قطر. الـمهم أن هذه الاعتبارات تقيّد حماس، وتمنحها القليل من حرية الحركة.وبالعودة إلى الفرق بين نظام حماس في غزة، ونظام السلطة الفلسطينية، لا يتجلى الفرق في شعبوية نظام السلطة وحسب، بل وفي سعيه إلى تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى نموذج مستحدث لجمهورية الفاكهاني اللبنانية في عقد السبعينيات. وهذا يعني، ضمن أمور أخرى، القبول بالتعايش بين الـميليشيات، وبلورة أساليب تفاوضية دائمة لتحقيق قدر من الإجماع دون اللجوء بالضرورة إلى العنف.والآن، إذا ما وضعنا كل الفرضيات السابقة جانبا تبقى مسألة أخيرة، لـم تنل ما تستحق من الاهتمام، ويمكن عموما وصفها بأخلاقيات العنف الـمقدس. العنف في كل مكان بالتأكيد، وبشاعته لا تقتصر على أيديولوجيا دون سواها، سواء قومية كانت أو اشتراكية، ناهيك طبعا عن جرائم وعنف الكولونيالية (بما فيها الإسرائيلية). ومع ذلك، في عنف جماعات الإسلام السياسي ما يقرع أكثر من جرس للإنذار.فمشاهد الذبح أمام الكاميرا، كما فعل الزرقاوي، وتفجير طائرات مدنية في مراكز تجارية، وتفجير قطارات تغص بالـمسافرين، والعمليات الانتحارية في الأسواق، والـمطاعم، والجنازات، التي يعيشها العراقيون صباح مساء، تحدث باسم جماعات أصولية. هذا القدر من العنف، والجنون، غير مسبوق من حيث استهانته بالحياة البشرية أولا، وتجرّده من كل مثل أخلاقية ثانيا، وتحويله جميع بني البشر إلى أهداف محتملة ثالثا، ومفارقته لـمنطق الجدوى السياسية رابعا، وقداسته الذاتية
الـمزعومة خامسا

ومع ذلك، ورغم وجود تمايزات بين أجنحة الأصولية، إلا أن تلك الأجنحة الـمعتدلة منها والـمتطرفة لا تدين هذا العنف، وإذا تحفظ بعضها عليه، فإنما يفعل لأسباب تكتيكية، أي أن أخلاق العنف الـمقدس تحظى بالقبول والأولوية.لا تدين حماس عنف الأصوليين، بل ترى نفسها جزءا من مشروع كبير، يمثل هؤلاء بعض أجنحته، وإذا اختلفت معهم في تفصيل ما (كما حدث مع الظواهري)؛ لا يفسد الخلاف على الأرجح للود قضية.لذلك، لا يصعب التنبؤ بما سيكون عليه نظامها في غزة، إذا لـم تحدث معجزة، وينجو أهلها، مما يعد به دهر، لـم يشفق عليهم حتى الآن. ولكن، هل سبق لدهر أن أشفق على أحد؟.

ليست هناك تعليقات: