05‏/12‏/2018

العيد




 أصلى مع جدي صلاة الفجر بالشورت في رمضان . أعود برفقته إلى البيت. أطرد نعاس الصبح من عيوني الصغيرة. يطير الوقت سريعاً. أخرج برفقة إثنين أو ثلاثة من أقراني. نعبر الشارع إلى قطعة أرض واسعة كانوا يزرعونها في موسمٍ بالخس, و في موسمٍ أخر بالقمح. لم تكن قطعة الأرض تلك قد تحولت بعد إلى مصب لتجميع مياه الأمطار القادمة من كل أنحاء المدينة. نطير لنصل إلى شارع البساتين. تحمل أيادينا الصغيرة مرواح ملونة و رقيقة. نتحرك بسرعة. نجري. نترك أجسادنا للريح. تلوح أيادينا بالمرواح البلاستيكية الصغيرة في وجه الريح. تتحول مخالب المراوح الصغيرة إلى دوائر ملونة. نحلق في الهواء كالفراشات الملونة.

أعود للبيت و أغط في نومي. أستيقظ بعد الظهر و أقنع نفسي بانني ما زلت صائماً. و ما زلت أقنع نفسي بأنني بدأت بالصوم في سن السادسة. و ها أنا أعترف أنني كنت أسرق الطعام من الثلاجة و الماء من الحنفية و من المضمضة عند الوضوء.

يتوهون أو نتوه سويةً في شوارع المدنية الرملية. يختفي الوجه الذي ترسمه عن ورق الدفتر المدرسي بصحن مدور و حبتين من البندورة و خيارة أو قرن فلفل و قشرة بطيخ صغيرة؛ تعبر الجسرَ مع طفليها لتلحق بوالدهم الذي خرج للتو من السجن لتغيب عشرين عاماً في الذكريات, و ترجع عمتي لعشرين عاماً من الذكريات إلى الحكاية التي تتركها مرة أخرى لتمكث في الذكريات. مع غيابها الأول تغيب الطفولة, أو تبدأ, لتؤثث الذكريات, وتبقى هي فاكهةً نادرةً كالأعياد, لترصع سماء الطفولةِ بالذكريات.

تبدأ الطفولة, أو تنتهي , عندما تموت جدتي, و يبدأ العيد بالانبلاج من الذكريات. نزور ضريحها محملين بالتين المجفف و بالحلوى و بالدعاء. يقرأ جدي ما تيسر له من السور و يعطي المقرئيين ما تيسر له من نقود. بعد عامين أو ثلاثة يسمع عن خطيئة زيارة القبور, فيتجنب الضريح و يمارس عشقه بتناول التين المجفف مع زيت الزيتون كوصفة ألطف من الملح الأنجليزي.

أتذكر ظلال العيد. راحة من الدوام المدرسي. ملابس جديدة إن أتيحت. نقود العيدية. مراجيح من خشب سقالات البناء. الله أكبر كبيراً و سبحان الله بكرة و أصيلاً. الرئيس المؤمن يصلى صلاة العيد خلف عكرمة صبري في القدس. نأكل السمك المملح و نلاحظ خلافات طفيفة بين العواصم في رؤية الهلال . العقيد يذهب بطرابلس أياماً كثيرةً بعيداً, شرقاً و غرباً. أختلس قطع الطوفي و ملبس اللوز من غرفة الضيوف على دفعات متباعدة حتى لا يلحظ أحد سرقاتي الصغيرة. مشوار طويل إلى منتزه البلدية. مشاريع سحرة و لاعبو ورق و نصابون و بائعو حلوى و بلالين يجذبون العيدية من جيوب الأولاد و البنات إلى جيوبهم. تكتشف أمي أن ذخيرتها من طوفي الجامين البنفسجية و من ملبس اللوز أوشكت على النفاذ.



ليست هناك تعليقات: