05‏/12‏/2018

قصص الأنبياء




كان جدي يحكي لى قصص الأنبياء . لم ينهي جدي سوى ثلاثة صفوف من التعليم الرسمي و سنوات عديدة في الكُتاب في زمان السلطان العثماني الأخير؛ لكنني واثق أن خطه كان جميل بالرغم من الرعشة التي أصابت  يديه و بالرغم  من ضعف نظرة الذي نتج عن  داء السكر و مياه العينيين البيضاء. أنا واثق أن جدي كان يرسم بشكل جيد. كان جدي يرسم لي دجاجات تجري وراء القمح.

كان والدي يرسم لي على ورق الدفتر علم فلسطين. كان يرسم فوق العلم شعلةً من نار, و تحته خريطة تشبه المثلث الذي ينثني عند بحيرة طبريا و خليج حيفا و البحر الميت. يكتب عودة, قومية, تحرير. كان يضع كل ما خطته يداه في إطار بشكل شبه منحرف غير مكتمل. كان يتوجه بقوس و كان يكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الإطار. كان والدي يرسم وجها لجمال عبد الناصر و يزوِر توقيع الزعيم المصري الراحل.

كان عمي يرسم لي نسراً. لم يكن النسر رصيناً و جامداً كما يبدو الأن على الأوراق الرسمية و الكتب المدرسية. كان عمي يرسم النسر بدون أن يحاول أن يضفي عليه أي وقار. لم يكن يحتاج لأي وقار. كان يرسمه كأنه يخط أي شكل كاريكاتيري. كنت أحب النسر و أحترمه. كانت مهارة عمي في الرسم تكاد أن تجعل النسر يطير. كان يرسم العلم في صدر النسر و كان يخط يافطة أسفل ذيل النسر يكتب عليها بخط النسخ الجميل "جيش التحرير الفلسطيني- منظمة التحرير الفلسطينية". كنت أفرح بنسر صلاح الدين. هكذا سماه عمي . لقد كانت تسميته صحيحة كما تحققت من ذلك لاحقاً. كان على أن أتحقق من ذلك فلقد كان عمي يجيد صناعة الأكاذيب البيضاء التي كانت تسحرنا.

كبرت قليلاً. ولد أخي الأصغر. جاءوا ليهنؤوننا  بميلاده و بسلامة والدتي. كان الأسبوع الأول من مارس - آذار قد إنقضى. لم أكن قد بلغت العاشرة بعد. عملت لضيوفنا الشاي و قدمته لهم و كلى خوف من أن تسقط الصينية  من بين يداي. كنت أنظر إلى صندوق الفيليبس الخشبي بشاشته الأبيض و الأسود. دلال كانت تقود وحدة من الفدائيين. بلد كاملة اهتزت. طائرات الهليكوبتر كانت تمشط البلد. القوارب تبحث عن أي شئ في المتوسط. كانوا يبحثون عن فلول المخربين في الغابات و في الساحل. لم يذهب العمال إلي العمل في إسرائيل خوفاً من الإنتقام. عيزر وايزمان ارتدى خوذته العسكرية. اجتاحوا نهر الليطاني.

كان والدي يأتي بجريدة القدس كل يوم. كان يقرأها و هو مسترخياً على سريره بعد أن يتناول الغذاء. كنت أسحب الجريدة خلسةً من بين يديه بعدما يستسلم لقيلولته. كنت أخذها لأقرأ. كنت أقرأ الجريدة لمجرد القراءة. لتدريب عضلاتي على القراءة. للاستعراض. لمحاولة اكتشاف سرعتي في قراءة الجريدة. لاستكشاف الفرق بين السنة الميلادية و الهجرية في الصفحة الأولى للجريدة. لأتسلى . لأبحث عن حروف ثلاثة في صفحات الجريدة الثمانية أو الستة. لأبحث عن كلمة فلسطين و مشتقاتها في جريدة محافظة تمر على مقص الرقيب.

كنت أبحث عن حروف ثلاثة إن لم أجد فلسطين أو مشتقاتها . كنت أشعر بنشوة غريبة تسرى في جسدي عندما أعثر على فلسطين أو أيِ من مشتقاتها. كنت أشعر بالنشوة عندما أعثر على م.ت.ف. بين أسطر الجريدة. كان وجهي يصبح مثل جوف بطيخة حمراء لو وجدت "منظمة التحرير الفلسطينية" مرة واحدة بدون اختصارات
.
كبرت , كبرت كثيراً. أتممت امتحانات الثانوية العامة. سافرنا أنا و أبي و جدي و أخي الأصغر إلى القدس. فحصوا عيون جدي و أخبروه بأنهم سيضعونه على قائمة الانتظار لعملية في عينيه.

سافرت. تلاشيت خلف الستارة الحديدية . ابتعدت عن أهلي و عن بلدي. صارت الرسائل هي الحبل السري الذي يربطني بأهلي . أتذكر هذا المقطع من رسالة بعث بها والدي لى قبل وفاة جدي. " لقد أجريت عملية المياه البيضاء لجدك في مستشفى سان جون للعيون في القدس و هو يسلم عليك و يستمتع بقراءة الشعارات المكتوبة على الجدران" .




ليست هناك تعليقات: