05‏/12‏/2018

الحياة فوق السحب الإليكترونية




نعبر سوية مشياً على أقدامنا  الحاجز العسكري الرازح في شارعٍ مكتظ بالسيارات و بالغبار. أتذكر معبر قلنديا و شارع عمر المختار في غزة في عز الصيف. ندخل في صالة واسعة  و مكيفة الهواء ذكرتني بقاعة الانتظار في الجانب الإسرائيلي من الجسر.  سرعان ما تهاوى جسده   بقامته القصيرة و كرشه  السمين على أرض  الصالة, عند رؤية للجنود. أشعر بخوفه و أكاد أن أسقط مثله على الأرض لكنني أتمالك نفسي و أحافظ على صلابة قدميَ على البلاط, الذي  كان يلمع كصلعة خالية من الشعر . أتذكر أنه يعاني من ألام مزمنة في الركبتين و في أسفل الظهر. أحاول أن  أسنده بكلتا يديي بدون جدوى.  أرتبك وأود أن أصرح للجنود بأنه يعاني من آلام الركب و الظهر. يقرأ الجنود أفكاري و يغيثونني في إسناده. أمد يدي ببطاقتي هويتنا لجندي, يستنكف عن تناولهما و عن التدقيق فيهما, و يوشر لنا  بود أن نعبر إلى بوابة الخروج من الصالة.


نخرج سوية إلى الشارع الخالي من المارة, و ندخل إلى صيدلية لم يكن فيها إلا الصيدلي المناوب. أطلب من الصيدلي أن يحقنه بإبرة في عضل مؤخرته لتسكن آلامه. يطلب من مرافقي أن يتمدد على سرير للفحص و أن ينظر باتجاه الحائط الذي كان يستند إليه سرير الفحص . يسحب سائل المسكن من أمبول زجاجي و يتلذذ بإخراج فقاعات الهواء من السيرينج. أستغرب من أن سن الابرة المتصلة بالسيرينج هي سنٍ معدني لقلم حبر جٍل غليظ  . يحقن الصيدلاني   صاحبي بالإبرة الغليظة. يخرج الإبرة و يطرد  الفقاعات بعناية و حذر  من السيرينج. يعود الكرة ليحقنه مرة ثانية ثم يخرج الإبرة من مؤخرته  و يخرج الفقاعات بحذر. يعيد الكرة خمسة مرات متتالية, يحقن بالإبرة الغليظة و يخرج الإبرة من العضل و يفرغ السيرينج من فقاعات الهواء بحذر, و هكذا دواليك لخمس مرات.

 أشعر بحنق شديد لكنني ألتزم الصمت معولا على رباط جأش صاحبي .ينهض صاحبي عن سرير الفحص بدون أدنى شكوى من تكرار حقن عجيزته بالمسكن لخمس مرات متتالية. أسأل الصيدلاني عن التكاليف التي يتوجب أن أدفعهما مقابل حقنة المسكن. يجيب بهدوء و حياد  أن التكاليف هي خمسة و ثلاثون شيكلاً. أرد عليه بحنق أن تكاليف مثل هكذا حقنة  في غزة لا تتجاوز الخمسة  أو السبعة شواكل في أسوأ الأحوال؛ فيجيبني  بلهجة غزاوية مغلظة: إنت ياخو في رام الله ميش في غزة و الأسعار هان زي مانهاتن. أفكر بألا أدفع للصيدلاني  مقابل الحقنة أو حتى  أن أعاركه, لكنني أعرض عن ذلك و أناوله قطعة نقدية معدنية من فئة الخمسة و الثلاثين شيكل.

نخرج أنا و صاحبي من الصيدلية. إلى الشارع الخالي من المارة.  أشعر بمرارة في حلقي و أنهض من سريري. أذهب إلى جهاز اللابتوب. الساعة تمام الرابعة و النصف صباحاً. أبدأ باستعادة بعض من  الملفات التي قمت بحذفها بالخطأ  من الوون درايف قبل أكثر من أسبوع بدون أن أستطيع أن أستعيد إلا النذر اليسير منها من سلة المهملات. كنت قد نقلت  كل الملفات التي خزنتها على جهاز كومبيوتري خلال ثلاثة عشر عاما على الوون درايف قبل أن أغادر غزة حيث أن الإسرائيلين منعوني  مثل كل المغادرين من  إخراج اللابتوب أو أي جهاز إليكتروني عند خروجي عبر معبر إيريز قبل أكثر من ثماني شهور.



ليست هناك تعليقات: