11‏/05‏/2019

لماذا ؟


لماذا لم تخبرني عن ذلك ياعزيزي؟
لقد ظلمتك كما ظلمت الكثيرين. لقد ظلمتك كما ظلمتني الحياة. كدت أن اظلمك كما ظلمت الكثيرين. كدت أن اظلمك كما ظلمتني الحياة. برغم كل لطفك معي، كنت ابحث عن عيب فيك. و بالرغم من اني لم التقى بك الا مرتين أو ثلاثة مرات ، و بالرغم من أننا لم نتحدث على الموبايل اكثر من ذلك كثيرا، فلقد بدأت انبش عن عيوب فيك و في المواقف البسيطة و القليلة التى جمعتنا. كنت تستفزني بهدوءك و لطفك و دماثتك. و بالرغم من كل هذا اللطف و من كل تلك الدماثة، كدت أن أفسرهما بطبيعة عملك في بزنيس مراقبة و تقييم مشاريع الممولين الدوليين.
كدت احسدك على نصوصك المدهشة التى طالما نشرتها على الفيس بوك. نصوصك الصادقة ، حد الفضيحة , التي سرعان ما انتشر بعضها كالنار في الهشيم, حتى أضحيت واحدا من علامات السرد في بلادنا. كدت أن احسدك على نصوصك الباهرة و نجوميتك المتحققة؛ لكنني سرعان ما وجدت مفارقة لافتة في كتابة النصوص القصصية و السردية و رزقك و مهنتك الجديدة في كتابة بربوسالات التقييم و المراقبة التي تقدمها للمانحين. لقد وجدت تناقضا فاحشا بين الأمرين و سرعان ما راجعت نفسي و سخرت من الادب الحداثي و المابعد حداثي الذي يركع أمام المموليين الأجانب و نصوص الفيس بوك الخاضعة لشروط الذائقة العامة.
لماذا لم تحدثني عن كل ذلك أيها الوغد الصغير ؟؟!!
لقد ظلمتك و ظلمت نفسي. لقد حسدتك على سيارتك الحديثة عندما وصلتني من المكتب الاستشاري الذي تعمل فيه إلى بيتي بعد أن قابلتك في اول مرة. حسدتك على عملك في المكتب الاستشاري الذي تعمل فيه بالإضافة إلى تلقيك راتبا من السلطة مقابل عدم ذهابك الى العمل في وزارة الصناعة و العمل في بلاد صناعتها الأولى هي البطالة عن العمل . طالما حدثت نفسي اننا كلنا، خصوصا المحظوظين منا و انت واحد منا ، قد تحولنا الى اوغاد في ظل هذا الواقع الوغد.
لماذا لم تقل لي ؟؟؟!!!
لقد ظلمتك و ظلمت هدوءك و انت تخبرني ان الاستاذ الجامعي، الذي لا يترك أي مشروع أو عمل في مجالنا المشترك الا و يضع قدما أو يدا أو اصبعا فيه، قد اقترح شخصا اخرا غيري ليساعدك في المهمة التى رست عليك و على المكتب الاستشاري الذي تعمل فيه. لقد قرأت تعاطفك معي في عينيك و في كلامك عندما شرحت لك طبيعة الحرب التى يشنها على هذا الاستاذ الجامعي، لكننى حنقت عليك عندما اخبرتني في المرة التالية التي جلسنا فيها سوية أن مسؤول المنظمة الدولية في القدس اصر خلال اجتماعكم عبر الفيديو كونفرنس على أن يكون الشخص الذي اقترحه الاستاذ الجامعي مساعدك في المهمة التى اقترحت على أن اساعدك فيها. كنت انظر إلى عينيك و نبرة صوتك الهادئة و المتعاطفة و انت تزف لى الخبر بأنني شخص غير مرغوب فية من ممول المشروع الذي ستقوم بتقييمه و من الاستاذ الجامعي الذي يقدم النصيحة للممول.
لماذا لم تخبرني؟؟؟!! فلقد ظلمتك و انا افسر تعاطفك معي و لطفك الشديد بقدراتك الديبلوماسية العالية و بمهارات اتصالك التى تمكنك من التعامل مع كل هؤلاء الاوغاد و من الطفو فوق هذه البيئة الفاسدة. لماذا لم تخبرني؟؟ لقد اتهمتك ببرودة الأعصاب و نعت قلبك بأنه قلب ميت.
لماذا لم تخبرني ؟؟؟؟ لقد حسدتك و ظلمتك. لقد ظلمت نفسي و انا اراكم الدموع و المرارة في حلقي بكاءا على حظي العاثر، و حسرة على عداوه الدنيا لي. لقد ظلمت نفسي و انا اؤنبها على ما فعلت و ما لم تفعل. لو قلت لي، لكنت قد سخرت من غزة و انا اراها لأكثر من مرة بالصدفة عارية. لكنت قد حسدت نفسي على رؤية بلد كاملة بكل من طفا فوق سطح بؤسها و جبروتها و ضعفها عارياُ. لكنت قد سترت قبحها. لكنت قد وجدت مبررا للأستاذ الجامعي الذي تربى في العوز لكي يتصرف كمقاول الأنفار. لكنت قد بحثت عن جمال ما , لم أراه يوما , في بشاعة هذه المدينه.
لو قلت لى لكنت قد وجدت سببا لبرودة اعصابك و لقلبك الميت. لو قلت لي لكنت قد وجدت مبررا لقدرتك على الحياة وسط كل هذه البشاعة. لو قلت لي لكنت قد وجدت مبررا للحياة. لكنت قد توقفت عن حقدي الاعمي على المحظوظين في غزة. لكنت قد توقفت عن تعاطفي اللامحدود مع المنحوسبن في غزة. لكنت قد توقفت عن حسدي لك. لكنت قد توقفت عن ندب حظي العاثر. لكنت قد توقفت عن نظراتي التي تستفز البلد و كل من فيها بعد أن تخيلت أنني رأيتهم جميعا عراه، و أنني قرأت أفكارهم ، و مسكتهم جميعا متلبسين بجرائمهم الصغيرة و الكبيرة.
هل كان على أن أنتظر كل هذا الوقت. هل كان على أن انتظر أن تقصف الطائرات عمارة سكنية مؤخرا. هل كان على أن أنتظر أن يستشهد صديقك في القصف. هل كان على أن انتظر أن تكتب نصا على الفيس بوك كي تنعى صديقك الشهيد. هل كان على أن أنتظر كل هذا العمر كي اعرف انك فقدت والدك في الحرب عندما كنت في الثالثة من عمرك قبل اثنا و خمسين عاما، و كي اعرف ان طفلك قد استشهد في الحرب و هو في الثالثة من عمره قبل عشر سنين . لماذا لم تخبرني عن كل ذلك ياعزيزي؟؟؟ لماذا لم تساعدني على أن احسد نفسي ، و أن ادللها ؟؟؟ لماذا لم تساعدني على أن أجد مبررا لاصدقائي الاوغاد ؟!؟ لماذا لم تساعدني على أن أجد لغزة مبررا كي تكون كما هي؟





ليست هناك تعليقات: