11‏/05‏/2019

أزهار الشر


( مع الإعتذار لبودلير )

لا تجزع كثيراً لأنك لست بطلاً من هذا الزمان. لا تبالي بكونك لا تتقن الكذب. لا تجيد التمثيل. لم تتعلم الديبلوماسية. لا تكثر من المجاملات. لا تجيد التفاوض. لا تؤمن بالمساومات.  لا تكترث بعدم إستقرار مشاعرك. بمزاجيتك. بغرابة أطوارك. بحدتك و ببلاهتك. بملامح وجهك التي تفصح عن موقفك.  بالعرق الذي يفيض من مسامات جلدك عندما تحرجك المفارقات. لا تخف من احمرار لون وجهك عندما تراودك نفسك بالكذب. لا تكسر الزجاج لأنه شفاف.

لا تتخلى عن ترددك. عن قد و ربما. لا تهرب إلى اليقين. لا تتسلق الأحزاب و مأذن المساجد. لا تلتزم بشروط ربطة العنق و الحلة الرسمية. أهرب من الوظيفة و من الانتماء. من الالتزام و الارتباط العضوي. من عبء الأيديولوجيا و سلطة القبيلة. واظب على عدم الرضا. على النقد الذاتي خارج حياض العشيرة. أجلد ذاتك كلما شعرت بالبلادة و بنشوة الإنتصارات الصغيرة.

لا تخجل من فشلك المتكرر. من نوبات بكائك. من دموعاك الغزيرة. من مرارة حلقك. من هستيرية ضحكاتك. من قلقك. أرقك. مللك من رتابة الأيام. من صلواتك السرية. من إلحادك المستتر. من لانمطيتك. من تناقضاتك. من تعقيداتك. من بساطتك. حافظ على ضجرك الدائم. نزقك.  إنهياراتك. تأنيب ضميرك. تحدي الواقع. نكأ جراح الماضي.

أفضل ما فيك أنك عادي جداً. حقيقي إلى حد  الفضيحة. فحافظ على عاديتك. على حزنك المستوطن. على أفراحك الطارئة. على صمتك الدائم. على ثوراتك الموسمية. على إضطرابات قلبك. على شظايا عقلك. على  شطحات جنونك. على ومضات عبقريتك. على هذيانك و رصانتك. فتش عن أنقاضك في ركام حروبك الصغيرة و حروب الدول الكبرى.

أجمل ما فيك أنك غالبا ما تعترف بخطاياك. إعترف؛ لكن لا تذهب إلى قس الكنيسة و إمام الجامع. الله في كل مكان. يملأ شرايينك و حجرات قلبك. يقرأ دفاترك و خواطرك.  يعد زفراتك و أفعالك. يحاسبك و يغفر لك. إعترف لكن لا ترجم نفسك بصلاة الاستغفار. تأمل أزهار الشر بين أصابعك. انتصر لبذور الخير في قلبك. كن عاديا كما أنت؛ حقيقيا كما عهدتك. لا تخفض رأسك للريح؛ فأنت لست قمحاً بل سروةً تسييج البيدر. لا تنجرف مع التيار حتى لا تجد نفسك طمياً للبحر. إستمر في تواضعك عند أهل التواضع؛ واظب على تعاليك على المتغطرسين. على ثوريتك المهزومة. سكونك المنتصر. انكساراتك الدائمة. إنكسركل مرة, و انبعث في كل حين.  

أعرف أنك لم تعش الحياة التي تستحقها. قُتلت ألف مرة. إحترقت كل يوم. تعذبت في كل زفرة من زفراتك. أخطأت و أصبت. توترت و إسترخيت. ثرت و هدأت. أعرف أن أحداً لم يسمع صوتك. تجاهلك الجميع. تجاهلوا عبقريتك و نبوؤتك. تهكموا على سخافاتك و تفاهاتك. احتفلوا بهزائمك أكثر مما احتفوا بانتصاراتهم. سخروا منك لأنهم كانوا يعرفون أنك تعرييهم دائماً  و تضعهم أمام مراياهم التي حاولوا كسرها. لأنك لم تخضع للمؤسسة. لم تنافق مديرك في العمل. لم تكن جزءاً من الشلة. إستنكفت عن الأحزاب و قاطعت الإنتخابات. كفرت بالنخب. أمنت بالله  لكنك لم تعبد أصنام الدين وهجرت طقوسها .لم تشتريك الشركات العالمية و المحلية. لم تتعاون مع أجهزة الأمن.أضحيت  هامشياً جداً عندما أضحى المتن خراباً. 

لا تكترث بهامشيتك. بأزهارك الذابلة و ببذورك التي  لم تنبت بعد. لا تخجل من ماضيك و لا تتملص من واقعك. لا تحزن لأنك البطل الخطأ في الزمان الخطأ في المكان الخطأ. بعد حين؛  سيكتشفون  يا عزيزي أنك كنت نبياً.  ستنجلى نبوؤتك بعد موتك. فحافظ على عاديتك و حقيقيتك في  حياتك؛  وتأمل أزهار الشر وبذور الخير في روحك, حتى ينبت الأقحوان بجوار قبرك.



ليست هناك تعليقات: