11‏/05‏/2019

ترويض الخيبة



(نصي الأثير)

يضع الفيلم في ألة التصوير الضوئي. يجهز الكاميرا. يلقم الفلاش بأحجار البطارية. يحتضنها برفق و خفة, كأنه يحتضن وليداً هادئاً. يقتنص الفرص. ينقض على المشاهد التي تروق له.
يعلن عداد الكاميرا أنه وصل إلى الحد الأقصى للصور الملتقطة. يذهب إلى معمل تحميض الصور. يخبره عامل معمل التحميض أن عليه الرجوع بعد يوم كامل حتى يحصل على صوره. يعود إلى المعمل. لم ينتج فيلمه إلا بطاقات بيضاء خالية من أي لون أو ظل. تشق الخيبة صدره كسكين حافية. يواسي نفسه بأن صلاحية الفيلم قد تكون منتهية. يساوره الشك بتقنيات معمل التحميض. يعيد الكرة مرة ثانية و ثالثة و رابعة و خامسة.
يستمر في إحتضان الكاميرا بنفس الحميمية.  يستمر في إقتناص الفرص للضغط على زناد الكاميرا. رجل يشهق نفساً عميقاً من لفافته, كأن فيها ماء الحياة. هذا يغيب مع أفكاره و همومه. فتاه تتوهج شبقاً. إمرأة مكتنزة تغفو على كرسيها. يقتنص المشاهد. يتلصص. يبحث عن لقطاته في بقع الضوء و عند مساقط الظل. في الأزقة الضيقة. في الشوارع القديمة. في الحدائق الغناء. في شاطيء البحر الذهبي. يجوب الشوارع بكاميرته و لحيته البيضاء. يبحث عن متعته في ضحات الناس و إكتدارهم. في أخاديد الوجوه المتجعدة و في الظلال المنسابة للجلد الناعم.
يكف عن الذهاب  إلى معمل تحميض الصور. يلف الفيلم داخل الكاميرا. يخرج إسطوانة الفيلم من الكاميرا. يضع الأفلام في كل مرة على رف معين من رفوف مكتبته ليتأملها مصطفة بعلبها الإسطوانية السوداء. تتكاثر الإسطوانات السوداء على الرف. يذهب إلى فراشه البارد. يستيقظ بعد نوم مزدحم بإحلام لا يتذكر منها شيئاً  بعد الإفاقة. 



ليست هناك تعليقات: