11‏/05‏/2019

هلوسات العيد


ينتعل أمير المؤمنين بساط الريح في رحلتة إلى رئاسة المكتب السياسي. لا تسعف " الجِمال الخشبية" المصطفة على جانبي معبر رفح المسافرين أبعد من شرب ماء زمزم.
هاربةً من تهمة الاستجداء في موسم الأضاحي, تحدثني المرأة الأربعينية محاولةَ تنميق اللغة عن نية السعي إلى الرزق المستدام. تحدثني المرأة الذكية عن بحثها المضني عن أي عمل يقي أسرتها من الضياع حين تخون الصحة جسد زوجها المقعد, و حين يخون العمر الباحثين عن سراب السٍتر في بلاد لا يموت فيها أحداً من الجوع, ما داموا ينزفون دماً و ما داموا يطأطؤن رؤوسهم قليلاً في طوابير إنتظار بطاقات الإعاشة.
يتكاثر الفقراء, و محدثو النعمة, والمستجدون على الإيمان و الطقوس الجديدة و أصحاب زبيبة الصلاة. تتكاثر الخرفان و يزدهر القطيع, و تضاف إلى سنة الصوم في يوم عرفة أياماً عديدة. أكتشف أن " الكواليتي ستريت" أصبحت تافهة و رخيصة عند عشاق التفاخر والتظاهر في بلاد تشكو من شدة الفقر و من ظلم الحصار.
أنام متأخراً ليغزو الضحى وقت استيقاظي. أحلق ذقني. يلسع كحول الكولونيا جلدي . أرتدي ملابساً جديدة كما لم أفعل من قبل. لا أشعر بالذنب. كان الجديد من الثياب يحرجني و كانت ملابس العيد تصيبني بحمى الخجل. أودع نفسي. أدخل طقوس العيد بلا معنى. أجد صغيرتي تبحث عن المعنى في ورقة بنكنوت و مراجيح و حلى جديدة و زركشات الوشم الصناعي.
نلتصق ببعضنا أكثر. نسرج خيلنا الفولاذي و ننطلق في جولة سريعة.
كما يورث الفقراء الفقر لأبناءهم و بناتهم, لا يستطيع أبناء المخيم أن يبعدوا أباءهم و بناتهم عن المخيم. الوطن أنجب مخيماً و المخيم لا يكف عن ولادة المخيمات. أزور المخيم بعد غياب قصير. الأزقة مازالت على حالها ضيقة و بائسة كما كانت. الغرف ارتفعت عاليا لتغدو عمارات تصبو نحو مناطحة السحاب. قنوات المجاري المكشوفة فوق الأرض تسللت خفية تحت رصيف الشوارع الضيقة. يبقى المخيم على حاله؛ و إن كانت بساطة الماضي أزيحت لصالح الواقع العصي على الفهم.
أتأمل في حكاية اللص الذي أضحى مناضلاً في ضيافة مصلحة السجون في عقده السابع. تحيلني حكايته إلى حكاية المناضلين الباحثين في إرثهم النضالي و تاريخ السجن عن قطع أرض و فلل و شقق سكنية باذخة السعر. أتذكر المفكر الفذ الذي يدعي أن الإستعمار أضحى أفضل من الأنعتاق, و أننا صرنا العائق أمام حريتنا, باحثاً عن رصيد جديد في سيرتة الذاتية ليبرر فيه راتبه الشهري الذي يفوق راتبي السنوي. أكتشف أن أمير الحرب أفتتح مصنعا للحلويات الشرقية و أن العسس صار يشارك الحرفيين و التجار و سائقي التاكسي في صافي دخلهم. أكتب ملاحظة جديدة على نسختي القديمة من كتاب رأس المال عن القيمة الزائدة في زمن الرأسمالية الرثة.
يقودنا الطريق السريع, المرصوف بأموالٍ قطرية, من كابول إلى قندهار. أكتشف أن لا فرق بين المدينتين ما دام الظلام مهيمناً. يفاجئني التيار الكهربائي بضوء زائد عن الحاجة. أقاومه بالذهاب إلى نومي مغمض العينيين.
أرى أمراء المساجد, أمير الحرب, ضباط الدفاع المدني, أطباء الخدمات الطبية, القضاة الجدد في محكمة النقض, وكلاء الوزارات, رئيس مصلحة البريد, المدراء العامين, مذيعي فضائية الأقصى و رهط من الرجال الذين ترصعت أكتافهم بالنجوم و صدورهم بالنياشين و ثلة من المنقبات و من مرتديات البروكيني . كانوا جميعاً مع أمتعتهم في مطار يشبه مطار تونس الدولي. أشاهد وديع حداد يقوم بقيادة فريق من الجرافات التي تقوم بتسوية الأرض الترابية لمدرجات مطارسرقت حصمته. أرى أسطولا من أبسطة الريح على مدرجات مطار غزة الدولى.
قناة الجزيرة تنقل الأخبار مباشرة من رفح. منظومة القبة الحديدية في سديروت تطلق واحدا و عشرين صاروخ باتريوت وداعاً لأولائك الذين يستقلون أسطول بساط الريح التابع لخطوط شركة سندباد. فتيات بالشالة و البندانة يقمن برش الرز على رؤوس المغادرين. الفيلوهرومونيا القطرية تعزف نشيد كاتيوشا. مئات الألاف تصطف على جانبي شارع صلاح الدين. الجماهير تتقدمها قادة المجتمع.
الرايات الصفراء تغزو الحشد مكتوب عليها " أبوفادي حبيب الشعب, هلا و الله". كارل ماركس و الأمين العام للحزب الشيوعي يليسان تي شيرتات عليها شعار شركة جوال و كلمة "رنللي". عضو مكتب سياسي في إحدى الفصائل يلبس بدلة سفاري و يرفع يافطة حمراء مرسوم عليها صورة حنظلة و بورتيرية لغسان كنفاني و مكتوب عليها: " نطالب الجنرال بمضاعفة حصتنا الشهرية من الصندوق القومي". طبيب و عضو مجلس تشريعي يرتدي جاكيت كحلية من ماركة بوس و نظارات طبية يدلى بتصريح للسي أن أن مطالباً بإجراء إنتخابات قبل كل وجبة طعام و بعدها باستخدام الإنترنت و بضرورة إستخدام حملة البي دي أس للتقنيات الحديثة حتى تستطيع الوصول إلى أهدافها. أعلام سوداء ترفرف بدون أي شعارات. رايات خضراء مكتوب عليها " حزب الخضر يرحب بالجنرال". رايات حمراء مكتوب عليها " شركاء في الوطن , شركاء في القرار".
قادة المجتمع المدني يطالبوا الجنرال بعدم إستبعاد منظمات الأنجي أوز من التنمية. رئيس مؤسسة لحقوق الأنسان يوشوش مراسلة الحرة بألفاظ نابية. مراسلة الحرة لا تستطيع السيطرة على موجة الضحك التي إنتابتها على الهواء مباشر. الشخصيات المستقلة تصدر بياناً للرأي العام تعرب فيه عن شكرها للجماهير التي ساندتها أثناء فترة الإنقسام البغيض. المفكر الفذ ينشر مقالاً في النيويورك تايمز عن مزايا الجنرال. مكبرات الصوت المنتشرة على طول شارع صلاح الدين تبث قصيدة محمود درويش "خطب الجنرال الموزونة".
أستيقظ مذعورا على صوت سيارات الليموزين المصرية تمشي على البساط الأحمر. أسطول الليموزين يقل جيشاً أوله في راس لانوف و أخره في القرية البدوية في بيت حانون يتقدمه الجنرال حفتر. تعزف فرقة التشريفات العسكرية نشيد الهاتيكفا.
.
.
.
.
.
.


(2016 سبتمبر )


ليست هناك تعليقات: